بعد عام على تأجيل الدول الغربية طرح مشروع قرار يدين إيران أمام مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بات أخيراً هذا القرار بمتناول الدول الأعضاء في المجلس. ورغم تهديدات إيران بـ«ردّ مناسب» تمسكت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث بطرح مشروع القرار الذي لا تبدو لهجته مرتفعة، ولا يهدد بإحالة إيران إلى مجلس الأمن في حال استمرار عدم تعاونها مع الوكالة في الكشف عن نشاطاتها النووية السرية السابقة.
وقالت الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في بيان أمام مجلس المحافظين أمس إنه نتيجة لأنشطة إيران النووية التي تنتهك الاتفاق النووي لأكثر من 3 سنوات؛ «أصبح برنامجها النووي الآن أكثر تقدماً من أي وقت مضى». وأضاف: «هذا يهدد الأمن الدولي ويهدد بتقويض النظام العالمي لعدم الانتشار».
وأشار البيان إلى أن مراكمة إيران اليورانيوم عالي التخصيب بنسبتَي 60 في المائة و20 في المائة، «يشكل مصدر قلق كبير ويقلل من الوقت الذي تستغرقه إيران للحصول على سلاح نووي»، مشدداً على أنه «ليس لأي من هذه الأنشطة مبرر مدني موثوق به في إيران».
وأضافت الدول الثلاث أن «النشاطات النووية الإيرانية ليست فقط خطيرة وغير قانونية؛ بل إنها تخاطر بإفشال الاتفاق النووي بشكل كامل»، محذرة بأنه «كلما زادت إيران تخصيب اليورانيوم؛ أصبح من الصعب العودة للاتفاق النووي».
وحضت تلك الدول إيران «على وقف استخدام أجهزة طرد مركزي من الجيلين الرابع والسادس فوراً؛ لأنه لا يوجد سبب مدني مقبول لاستخدامها».
ونوهت الدول الثلاث بأنها لم توفر جهداً في مفاوضات فيينا الهادفة لإحياء الاتفاق النووي. وقالت: «قد وضعنا اتفاقاً على الطاولة قبل 3 أشهر قابلاً للتطبيق، ونأسف لأن إيران لم تنتهز بعد الفرصة الدبلوماسية لإبرام الصفقة».
وحث إيران بشدة على التوقف عن تصعيد برنامجها النووي، وعلى إبرام الاتفاق المطروح على الطاولة بأسرع وقت ممكن، موضحة أن ذلك «سيسمح للوكالة باستئناف التحقق والرصد الكاملين، لتقديم تأكيدات للمجتمع الدولي بشأن الطبيعة السلمية البحتة لبرنامجها النووي».
من جانبه، أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق من أن إيران «اتخذت سلسلة من الإجراءات التي لا تتناسب مع الاتفاق النووي، وفي بعض الحالات هي خطوات لا يمكن العودة عنها».
وقال شتيفان كليمان، ممثل الاتحاد الأوروبي لدى «مجلس المحافظين»: «نعبر عن قلقنا البالغ إزاء تخصيب إيران اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 20 في المائة و60 في المائة، وما يرتبط به من مكاسب بمقدرة تقنية لا يمكن العودة عنها»، كما طالب إيران بالتوقف عن إنتاج معدن اليورانيوم بنسبة 20 في المائة.
ودعا كليمان؛ الذي يلعب دور الوسيط في المفاوضات، إيران إلى «التعاون الكامل مع الوكالة، ونحثها بشدة على الامتناع عن أي خطوات تصعيدية أخرى، وعكس جميع الأنشطة التي تتعارض مع التزامات الاتفاق النووي لعام 2015».
ومن جهتها، قالت السفيرة لورا هولدغيت المندوبة الأميركية لدى «الطاقة الذرية» إنه «لا سبب سلمي لإنتاج إيران اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة تصل إلى 60 في المائة».
وقالت «مستعدون للعودة الاتفاق النووي ولكن نريد شريكا يريد ذلك في إيران». وطالبت طهران بالتوقف عن المطالبة برفع عقوبات لا علاقة لها بالاتفاق النووي وهي ما يعرقل العودة للاتفاق الآن، وذلك في إشارة إلى طلب إيران حذف «الحرس الثوري» من قائمة الإرهاب.
وعبرت الوكالة الدولية عن «قلقها العميق من أن مسألة الضمانات المتعلقة بـ3 مواقع غير معلن عنها ما زالت معلقة بسبب عدم تعاون إيران الفعال من إيران، رغم محاولات الوكالة المتعددة معها». وتدعو لإيران «للتحرك بشكل عاجل لوفاء التزاماتها والرد من دون تأخير على عرض أمين عام الوكالة بتوضيح وحل مسألة الضمانات العالقة».
ويبدو أن الدول الغربية حرصت على عدم طرح مشروع قرار قد يرفع المواجهة مع إيران إلى الحد الأقصى، واختارت عمداً عدم التهديد الفوري بإحالة إيران إلى مجلس الأمن مرة جديدة. لكن ذلك لا يعني أن الدول الغربية لن تصعّد أكثر، في حال بقيت إيران على رفضها التعاون مع الوكالة.
وفي يونيو (حزيران) 2020 تبنى المجلس قراراً، نصه شبيه بالنص الحالي، لم يهدد بالتصعيد الفوري، بل منح إيران فرصة للتعاون مع الوكالة والسماح لمفتشيها بالدخول ورفع عينات من أماكن مشتبه بأنها كانت تجري فيها نشاطات سرية. وباتت الآن نتائج هذه العينات هي المشكلة الجديدة بعد أن أظهر تحليلها مواد يورانيوم مخصب، لم تستطع إيران تفسيره بعد.
وقال مدير «الطاقة الذرية» رافائيل غروسي، في كلمته أمام مجلس المحافظين، أول من أمس، إنه أبلغ غروسي أن إيران «لم تقدم أجوبة وتفسيرات مقبولة من الناحية التقنية» فيما يتعلق بآثار اليورانيوم في 3 مواقع سرية، مشيراً إلى أن طهران «لم تُعلِم الوكالة كذلك بالموقع أو المواقع الحالية، التي يتم فيها تخزين المواد أو المعدات التي تحمل آثار يورانيوم» في المواقع الثلاثة.
ورغم عدم إعلان غروسي موقفاً واضحاً من مشروع القرار، فقد لمح إلى تأييده له بالقول إنه «يأمل أن تؤدي مباحثات المجلس هذا الأسبوع لإيجاد حل» حول الخروج من الدائرة المفرغة التي يدور فيها تحقيق الوكالة مع إيران في نشاطاتها السرية الماضية.
وتبدو الدول الغربية واثقة من أن مشروع القرار سيتم تبنيه في المجلس بحلول نهاية هذا الأسبوع، رغم معارضة روسيا والصين له. وقال مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» إنه «على ثقة بأن هناك أصواتاً كافية» لتبني المشروع الذي يحتاج إلى 24 صوتاً من أصل 35 عضواً يشكلون مجلس المحافظين.
وكان السفير الروسي لدى المنظمات الدولية ميخائيل أوليانوف قال في تغريدة على «تويتر» إنه لن يصوت على المشروع، محذراً من أنه قد تكون له «نتائج عكسية». وأضاف أن الدول الغربية بإمكانها «إيصال الرسالة نفسها إلى إيران عبر البيانات»، من دون الحاجة إلى طرح مشروع قرار. ويرى أوليانوف أن مشروع القرار الغربي سيهدد بانهيار كامل للمفاوضات النووية مع إيران، رغم أنها متوقفة منذ مارس (آذار) الماضي.
في طهران، أجمع المسؤولون الإيرانيون على اتهام غروسي بـ«التسييس». وقال مبعوث إيران السابق لدى المنظمات الدولية، كاظم غريب آبادي، إن «غروسي لديه ميول سياسية، لا يمكن إنكارها». وقلّل من أهمية آثار اليورانيوم التي عثرت عليها الوكالة الدولية، قائلاً إنها «كميات صغيرة».
وكان غريب آبادي، الذي يشغل منصب أمين عام لجنة حقوق الإنسان في الجهاز القضائي الإيراني، قد شارك في مقابلة تلفزيونية، مساء الاثنين، وقال: «الوكالة الدولية لديها وثائق تظهر أنشطة مرتبطة بمواد نووية في بعض الأماكن». وأضاف: «بعد أخذ عينات، ظهرت كميات صغيرة من اليورانيوم في موقع أو موقعين، وقدّمت إيران التفسيرات المطلوبة والكافية».
في السياق نفسه، نقلت وكالات رسمية عن مدير المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي قوله في تصريحات صحافية إن إيران أرسلت «رداً دقيقاً» إلى الوكالة الدولية. وقال: «يجب على الوكالة الدولية أن توقف التغلغل السياسي داخلها والالتزام بالقانون»، وقال إن «الوكالة تستند على تقارير مخابراتية من أعدائنا، وعلى رأسهم إسرائيل».
بدوره، قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، وحيد جلال زاده، إن طهران ستعيد النظر في المفاوضات النووية إذا صدر قرار ضدها في مجلس محافظي الوكالة الدولية. وأضاف: «زيارة غروسي إلى إسرائيل تثبت مرة أخرى أن الوكالة بدل أن تكون منظمة تقنية تحولت إلى منظمة سياسية».
أما محمد جواد لاريجاني، نائب وزير الخارجية الأسبق، فقال لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» إن البرلمان الإيراني «سيدرس تقييد زيارة غروسي إلى طهران وتعليق عضوية إيران في معاهدة حظر الانتشار».
من جهته، قال عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، النائب المتشدد فريدون عباسي، إن إيران ستكون محكومة بالفشل إذا تابعت المفاوضات من منطلق خفض التوتر.
وصرح عباسي لوكالة «إيسنا» الحكومية إن «نظرية المقاومة هي السائدة اليوم في المفاوضات، ولهذا السبب لا يقبل الغرب بذلك». وأضاف: «سيسعى الغرب الآن إلى تخلي الجمهورية الإسلامية عن قوتها الإقليمية والصاروخية، في الخطوة الأولى يريدون نزع الأداة النووية منا».
وترأس عباسي المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في عهد محمود أحمدي نجاد. ونجا من محاولة اغتيال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 بعد إصابته بجروح بالغة لدى انفجار عبوة ناسفة لصقت على سيارته.
ورأى عباسي أن إيران «تحولت إلى خطر للغرب اليوم»، مضيفاً أن «التركيبة الاقتصادية القوية للصين والقوة الإقليمية لإيران وطاقات روسيا ستحول آسيا إلى قوة مهيمنة، وهذا يشكل خطراً على الغرب، لهذا المفاوضات مع الغربيين من منطلق خفض التوتر لن تسفر عن نتائج». وتابع: «بعض السياسيين (في إيران) يؤمنون بنظرية خفض التوتر، ويسعون وراء مفاوضات بنماذج غربية ستؤدي إلى فشلنا».