الخامنئي مع حاشيته في إيران

احتمالات الانقلاب على خامنئي وتغيير النظام في إيران

تُعتبر إيران لاعباً إقليمياً رئيسياً في الشرق الأوسط، وتحتل مكانة محورية في السياسات العالمية بسبب نفوذها العسكري والديني والسياسي. منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بقي النظام الإيراني قوياً على الرغم من العقوبات الاقتصادية، الضغوط الدولية، والاضطرابات الداخلية. مع تصاعد التوترات الإقليمية، وخصوصاً بين إيران وإسرائيل، وأيضاً نتيجة للضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية، يثار السؤال حول احتمالات الانقلاب على المرشد الأعلى علي خامنئي وتغيير النظام في إيران. لفهم هذه المسألة بشكل أفضل، لا بد من تحليل العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على استقرار النظام الإيراني.

العوامل الداخلية المؤثرة على استقرار النظام:

  1. الأوضاع الاقتصادية:

تعاني إيران من أزمة اقتصادية مستمرة منذ سنوات، بدأت بشكل ملحوظ بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018 وفرض عقوبات قاسية على القطاعات المالية والنفطية الإيرانية. هذه العقوبات أدت إلى انهيار قيمة العملة الإيرانية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.

في عام 2019، شهدت إيران موجة من الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بسبب رفع أسعار الوقود بنسبة 50%، لكن سرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى انتفاضة ضد النظام بأكمله. تعاملت الحكومة الإيرانية بقسوة مع هذه الاحتجاجات، حيث قُتل أكثر من 300 شخص وتم اعتقال الآلاف وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان. لكن رغم هذه الاحتجاجات والمظاهرات، استطاع النظام أن يسيطر عليها بفضل قوة الأجهزة الأمنية والاعتماد على الحرس الثوري كأداة لقمع أي حركة معارضة.

  1. الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية:

منذ الثورة الإسلامية، شهدت إيران فترات من الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية. كانت أبرز تلك الاحتجاجات هي “الحركة الخضراء” عام 2009، التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها وفوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة ثانية. خرج الملايين إلى الشوارع احتجاجاً على النتائج، مطالبين بتغييرات سياسية شاملة. ولكن، استخدم النظام الإيراني القمع للسيطرة على الاحتجاجات، مما أدى إلى اعتقال العديد من قادة الحركة وسجنهم.

وفي سبتمبر 2022، اندلعت احتجاجات جديدة بعد مقتل الشابة مهسا أميني في أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بسبب “عدم التزامها” بقواعد الحجاب. هذه الاحتجاجات، رغم أنها بدأت كمطالبة بحقوق المرأة، تحولت إلى حركة أوسع ضد النظام وطبيعته الاستبدادية. ورغم الانتشار الواسع لهذه الاحتجاجات، لا يزال النظام الإيراني مسيطراً بفضل قوته الأمنية وغياب قيادة موحدة للمعارضة.

  1. الخلافات داخل النظام:

على الرغم من الصورة الموحدة التي يحاول النظام الإيراني تقديمها، هناك خلافات داخلية بين التيارات السياسية، خاصة بين المحافظين والإصلاحيين. الإصلاحيون يسعون لتقديم تنازلات في بعض القضايا الاقتصادية والسياسية لتحسين الوضع الداخلي وتخفيف الضغط الدولي. في المقابل، يتبنى المحافظون، بقيادة المرشد الأعلى خامنئي، سياسات أكثر تشدداً داخلياً وخارجياً. ورغم هذه الخلافات، لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات على إمكانية انقسام جذري داخل النظام يؤدي إلى إضعافه أو سقوطه.

العوامل الخارجية وتأثيرها على النظام:

  1. التوترات مع إسرائيل:

إحدى أبرز القضايا التي تؤثر على استقرار النظام الإيراني هي التوترات المستمرة مع إسرائيل. الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تسعى بشكل واضح إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة، وخصوصاً في سوريا ولبنان والعراق. الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المواقع الإيرانية في سوريا منذ 2013 هي جزء من هذه الاستراتيجية، حيث تسعى إسرائيل إلى منع تموضع إيران العسكري قرب حدودها.

كما أن تصريحات نتنياهو المتكررة بشأن ضرورة القضاء على الأذرع الإيرانية في المنطقة، مثل “حزب الله” في لبنان و”الحشد الشعبي” في العراق، تزيد من الضغوط على النظام الإيراني. ومع ذلك، يعتمد النظام الإيراني على هذا الصراع لتبرير وجوده واستمرار سياساته العدوانية في المنطقة، مما يساهم في تماسكه الداخلي.

  1. الدعم الخارجي للمعارضة الإيرانية:

تحاول بعض القوى الدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، دعم الحركات المعارضة للنظام الإيراني. لكن حتى الآن، لم تنجح هذه الجهود في خلق معارضة قوية بما يكفي لتحدي النظام بشكل حقيقي. المعارضة الإيرانية في الخارج، مثل “مجاهدين خلق”، لا تحظى بشعبية كبيرة داخل إيران، وتفتقر إلى الدعم الشعبي الضروري للإطاحة بالنظام.

  1. العلاقات مع روسيا والصين:

إحدى الاستراتيجيات التي يعتمد عليها النظام الإيراني للبقاء هي تعزيز علاقاته مع القوى العالمية مثل روسيا والصين. في السنوات الأخيرة، شهدنا تقارباً كبيراً بين إيران وروسيا، خاصة في ملف الحرب السورية حيث دعمت كلتا الدولتين نظام بشار الأسد. بالإضافة إلى ذلك، تنظر إيران إلى الصين كشريك اقتصادي رئيسي، حيث وقعت في عام 2021 اتفاقية استراتيجية لمدة 25 عاماً مع الصين، تشمل التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية.

هذا التحالف مع روسيا والصين يوفر لإيران غطاءً سياسياً واقتصادياً في مواجهة العقوبات الغربية، مما يقلل من احتمالية سقوط النظام بسبب الضغوط الخارجية.

رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها إيران، ورغم التوترات المتصاعدة مع إسرائيل والضغوط الدولية، ما زال النظام الإيراني يملك قبضة قوية على السلطة بفضل دعمه من الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية القمعية. تاريخياً، أظهر النظام الإيراني قدرته على الصمود في وجه التحديات الداخلية والخارجية، ولا توجد حالياً مؤشرات قوية على إمكانية حدوث انقلاب داخلي أو ثورة شعبية تؤدي إلى سقوط النظام في المدى القريب.

لكن استمرار التدهور الاقتصادي وزيادة العزلة الدولية قد يؤدي إلى تغييرات تدريجية في طبيعة النظام أو استراتيجيته. كما أن وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي، إذا حدثت في المستقبل القريب، قد تكون لحظة حاسمة تحدد مسار الأحداث في إيران وتفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة تشمل إمكانية حدوث تغيير في القيادة أو حتى النظام بأكمله.

Join Whatsapp