إيران واسرائيل

العداوة بين إسرائيل وإيران: أسبابها وتاريخها

العداوة بين إيران وإسرائيل هي نتيجة لتشابك عوامل سياسية، دينية، واستراتيجية تعود لعقود مضت، منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وحتى يومنا هذا. ورغم وجود علاقة جيدة بين الدولتين قبل الثورة، إلا أن التحولات الأيديولوجية والسياسية في إيران بعد 1979 جعلت البلدين في مواجهة مفتوحة، حيث تشتبك مصالحهما في العديد من قضايا الشرق الأوسط، بدءًا من دعم إيران للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، إلى برنامج إيران النووي الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا لأمنها القومي.

العلاقات قبل الثورة الإسلامية

قبل عام 1979، كانت العلاقات بين إيران وإسرائيل طبيعية بل ومزدهرة في بعض النواحي. في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، كانت إيران إحدى الدول المسلمة القليلة التي اعترفت بإسرائيل وتعاملت معها تجاريًا واقتصاديًا، خصوصًا في مجال النفط. كما كان هناك تعاون استخباراتي وعسكري بين الدولتين، حيث كانت إيران تلعب دورًا مهمًا في تزويد إسرائيل بالنفط.

الثورة الإسلامية وتحول العلاقة

مع قيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 بقيادة آية الله روح الله الخميني، تغيرت السياسة الخارجية الإيرانية بشكل جذري. حيث تبنت إيران بعد الثورة خطابًا مناهضًا للغرب بشكل عام، ولإسرائيل بشكل خاص، واعتبرت النظام الصهيوني “عدوًا للإسلام والمسلمين”. بدأت إيران في دعم حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية مثل حماس وحزب الله، الذين يعتبرون إسرائيل عدوًا رئيسيًا لهم.

في السنوات التالية للثورة، قطع النظام الإيراني الجديد جميع العلاقات مع إسرائيل وأغلق السفارة الإسرائيلية في طهران، وحولها إلى سفارة فلسطين، في إشارة رمزية لتبنيه القضية الفلسطينية.

دعم إيران لحركات المقاومة

منذ الثمانينيات، أصبح دعم إيران لحزب الله في لبنان، الذي تأسس عام 1982 بدعم إيراني، نقطة ارتكاز في الصراع بين إيران وإسرائيل. حزب الله، الذي يتبنى إيديولوجية ولاية الفقيه التي ينادي بها الخميني، انخرط في صراع طويل الأمد مع إسرائيل، خصوصًا في جنوب لبنان حيث خاض عدة مواجهات عسكرية مع القوات الإسرائيلية. يُعتبر الدعم المالي والعسكري الإيراني لحزب الله ركيزة أساسية في استمرارية هذا الصراع.

كما أن إيران دعمت الفصائل الفلسطينية المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، خاصة بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. هذه الجماعات المسلحة تعتبر مناهضة لإسرائيل وتتبنى نهج المقاومة العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

البرنامج النووي الإيراني

في العقد الأول من القرن الـ21، بدأ الصراع بين إيران وإسرائيل يأخذ بُعدًا جديدًا مع تزايد الاهتمام العالمي ببرنامج إيران النووي. إيران تؤكد أن برنامجها النووي سلمي ويهدف لإنتاج الطاقة الكهربائية، إلا أن إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة، تزعم أن إيران تسعى لتطوير أسلحة نووية. في عام 2010، شنت إسرائيل حملة استخباراتية وعسكرية ضد العلماء النوويين الإيرانيين، وتعرضت عدة منشآت نووية لهجمات إلكترونية مثل فيروس “ستاكسنت”.

إسرائيل تعتبر تطوير إيران لسلاح نووي تهديدًا وجوديًا، وصرحت عدة مرات بأنها لن تسمح لإيران بامتلاك هذا السلاح، مما يزيد من حدة التوترات بين البلدين. في عام 2015، عندما تم التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى (خطة العمل الشاملة المشتركة)، كانت إسرائيل من أبرز المعارضين له، معتبرة إياه اتفاقًا ضعيفًا لا يمنع إيران من تطوير سلاح نووي في المستقبل.

التوسع الإيراني في المنطقة

إلى جانب الملف النووي، تعارض إسرائيل بشدة محاولات إيران توسيع نفوذها في الشرق الأوسط. هذا النفوذ تجلى بوضوح في سوريا، حيث دعمت إيران نظام بشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية منذ 2011. من خلال إرسال قوات الحرس الثوري الإيراني والمستشارين العسكريين، إضافة إلى حزب الله الذي لعب دورًا كبيرًا في دعم النظام السوري. إسرائيل تعتبر هذا النفوذ تهديدًا مباشرًا على حدودها، خاصة مع تواجد قوات حزب الله المدعومة من إيران على حدودها الشمالية في لبنان وسوريا.

كما أن لإيران نفوذًا متزايدًا في العراق واليمن، من خلال دعم الميليشيات الشيعية المسلحة، وهو ما تراه إسرائيل تحديًا لنفوذها وأمنها في المنطقة.

اليهود في إيران: تاريخ طويل ومعقد

على الرغم من العداء السياسي بين النظام الإيراني وإسرائيل، فإن إيران لا تزال تضم واحدة من أقدم وأكبر الجاليات اليهودية في الشرق الأوسط. يقدر عدد اليهود في إيران اليوم بحوالي 8,000-10,000 شخص، بعد أن كان يزيد على 80,000 قبل قيام الثورة الإسلامية. هذه الجالية تعيش في ظل نظام إسلامي شيعي، وتتمتع ببعض الحقوق الثقافية والدينية، لكنها تعاني من تمييز على مستويات معينة.

تاريخيًا، اليهود في إيران لهم وجود يمتد لآلاف السنين، ويعتبرون جزءًا من النسيج الاجتماعي الإيراني. خلال حكم الشاه، تمتع اليهود بمزيد من الحريات والحقوق، وبرز العديد منهم في المجالات الاقتصادية والسياسية.

بعد الثورة الإسلامية، ورغم الخطاب المعادي لإسرائيل، تعامل النظام الإيراني مع الجالية اليهودية بحذر، وأكد قادته مرارًا على أن عداءهم هو ضد “الصهيونية” وليس اليهود كدين. اليهود الإيرانيون لديهم مقعد واحد في البرلمان (مجلس الشورى الإسلامي)، ويُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية وإدارة مدارسهم الخاصة.

العلاقات المعقدة والمستقبل

العداوة بين إيران وإسرائيل تستند إلى تناقضات سياسية وأيديولوجية عميقة، من الصعب تجاوزها في المستقبل القريب. فإسرائيل ترى في إيران تهديدًا وجوديًا، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي وتوسع نفوذها الإقليمي، في حين تعتبر إيران إسرائيل كيانًا غير شرعي وتدعم كل الحركات التي تسعى لمقاومتها.

وفي ظل التوترات المستمرة بين الطرفين، يبقى مستقبل العلاقات بين إيران وإسرائيل غامضًا، مع احتمالية تصاعد المواجهة العسكرية أو حتى انفجارها بشكل مباشر، خصوصًا في ظل الانخراط الإيراني في سوريا ولبنان والتوترات حول البرنامج النووي الإيراني.

Join Whatsapp