مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية تتحوّل الأنظار إلى الولايات المتحدة ونتائج الانتخابات الرئاسية التي تنعكس بشكل مباشر على باقي دول العالم خاصّة الشرق الأوسط حيث ساهمت الولايات المتّحدة بشكل كبير في رسمه ولعبت دوراً قيادياً في المفاضات والحروب والاتفاقيات بين الدول المختلفة في المنطقة. ومع وجود ما يقارب ٤ ملايين من العرب في الولايات المتحدة يتساءل البعض مَن مِن المرشّحين أفضل للعرب والشرق الأوسط؟
في حين لا توجد اجابة واحدة متكاملة ومقنعة على السؤال المطروح، ولكن دعونا ننظر ما يميّز ترامب عن بايدن وكيف ينظر كلّ منهما إلى العرب والشرق الأوسط خصوصاً في العلاقات مع الدول الكبرى في المنطقة وهي إيران، السعودية، تركيا وغيرها و طبعاً الكيان الإسرائيلي . واذا نظرنا إلى الدول الكبرى فنجد أن السعودية والإمارات، مع مصر والأردن والمغرب هي الدول المؤيّدة للحزب الجمهوري الأميركي الذي يمثّله ترامب، أما إيران وتركيا بالاضافة إلى قطر وتونس والسودان فهم يرون أن الحزب الديمقراطي الذي يتمثّل بجو بايدن هو الاقرب إليهم من حيث الليونة وسهولة التعامل معهم.
أما بالنسبة للكيان الإسرائيلي فلا يميّز بشكل كبير بين الإثنين لأن اليهود يعلمون أن الولايات المتحدة حليفهم الأول وبغض النظر من يسيطر على الادارة الاميركية فالأولوية سوف تكون دائماً مصلحة النظام الإسرائيلي في المنطقة.
في كل حملة انتخابية يتكلّم المرشّحون الأميركيون عن الخروج من الشرق الأوسط ولكنهم لم يفعلوا ذلك حتى اليوم بسبب تجذّر مصالحهم في المنطقة والتعقيدات في التحالفات الدولية وطبعاً النفط. فلنقارن كل من دونالد ترامب الجمهوري بجو بايدن الديمقراطي (المعروف بيوسف بيضون) في المجتمعات العربية في الولايات المتحدة.
دونالد ترامب الجمهوري:
هو رجل أعمال لا خبرة له في السياسة، لديه استثمارات كبيرة حول العالم في العقارات والأبنية، ويُعرف عنه أنه مفاوض تجاري محنّك وعنيد. يتميّز بجرأته المتهوّرة وإزاحة كل من يقف في طريقه.
هزّ ترامب المعاهدات الدولية وغيّر التحالفات حول العالم لمصلحته، يُعرف برجل الفعل وليس الكلام، خرج من الاتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات الشديدة عليها، بعد أن أعلن أن الولايات المتحدة دفعت لإيران مليارات الدولارات في عهد أوباما وعقدت الصفقات مع هيلاري كلينتون التي يعتبرها ترامب مجرمة بحق الشعب الاميركي والعالم والسبب في حروب الشرق الاوسط.
باع ترامب الأفغان لصالح طالبان وباع الأكراد، يتخلّى عن حلفائه بشكل سهل وسريع، لا يراوغ وقد يكون اكتسب قوّة فرض نفسه كذكر ألفا حيثما وجد، بسبب خبرته وطبيعة عمله وثروته. استطاع ترامب أن يجلب زعيم كوريا الشمالية إلى طاولة الحوار، وجلس معه شخصيّاً ويدّعي أنهما اصدقاء، ممّا اثار غيظ الشعب الاميركي بهذه الصداقة مع دكتاتور مجرم حسب الرأي العام الأميركي، وهو شيء لم يستطع أي رئيس اميركي سابق أن يفعله، كما أن ترامب لم يتردّد في التصرّف في الشرق الأوسط كما يراه مناسباً ومنسجماً مع مصلحته، فأعلن القدس عاصمة اسرائيل وضمّ الجولان السوري إلى الكيان الاسرائيلي، اقنع البحرين والامارات بالتطبيع مع اسرائيل، قتل سليماني، استنفذ العراق وسيطر على النفط السوري ووضع شروطاً على السعودية “حمايتها مقابل المال”، وهو يحاول بشتّى الطرق فرض الكيان الاسرائيلي على الشرق الاوسط كدولة ثابتة قوية، ويريد فتح الطريق لتل أبيب لتحل مكان بيروت كنقطة الوصل بين الشرق والغرب في مرافئها وقطاعها السياحي.
انتقد العديد طريقة تعاطي ترامب في ملف الهجرة واللجوء بسبب تشدّده العنصري وتجميد طلبات اللجوء والهجرة.
مع كل تهوّره والانتقادات التي وُجّهت له تميّز ترامب بأنه أغضب الكثيرين وهدّد باستعمال القوة ولكنّه لم يدخل في حرب عسكرية مباشرة مع أية دولة، وهذا ما يعتبر مؤيدوه أنه شيء لم يستطع أحد قبله فعله، ويرى المؤيدون لترامب أنه رجل قوي لا يخاف من ابداء رأيه كما هو، قادر على احداث التغيير، يعرف قوّته ولا يخشى اظهارها او استعمالها ولكنه يفضّل التفاوض وطاولة الحوار. ومن هنا يعتبر العرب الذي يؤيدون ترامب أنه قادر على فرض توازن في المنطقة، ويرون آفاق جديدة في التطبيع في الاقتصاد والصناعة والتكنولوجية، كما يعتبرون أن ترامب قادر أن يجمح الطمع الإيراني في المنطقة والتمدّد التركي ومحاربة الفساد.
جو بايدن الديمقراطي:
يعود تاريخ بايدن السياسي الى حوالي الخمسين عاماً، ولديه خبرة واسعة في الشؤون الخارجية وترأس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس لسنوات عديدة. عمل بايدن كنائب للرئيس الاميركي أوباما خلال السنوات الثمانية للرئاسة.
يعارض بايدن التصعيد مع إيران وهو من الداعمين للاتفاق النووي وانتقد ترامب عندما انسحب من الاتفاق. كما أن بايدن من المؤيدين لتقسيم العراق إلى ٣ مناطق فيديرالية (سنية، شيعية، كردية) ويعتبر أن الحرس الثوري الإيراني لا يجب أن يكون مصنّفاً كمنظّمة ارهابية.
هو طبعاً حليف أول لاسرائيل ويؤيد صفقة القرن، ولكنه يريد أن يفتح المحادثات بجدّية أكثر مع الفلسطينيين بعد أن قطع معظمها ترامب، ويعتبر بايدن أن خطّة ترامب للفلسطينيين هي حيلة سياسية، ووعد الشعب الفلسطيني باعادة المناقشات لإيجاد حلّ يرضي “الشعب الاسرائيلي والفلسطيني”.
من المرجّح أن يعيد بايدن السياسة الخارجية الأميركية إلى ما كانت عليه في زمن أوباما، وفي حين وعد بايدن أن يعطي ضمانات لإيران ولكنه يضع شروطاً أن تحترم إيران قيود البرنامج النووي.
اما بالنسبة لسوريا ولبنان لم يعطِ بايدن أي خطّة واضحة حول كيفية التعامل مع الملفّين ويرى المراقبون لسياسة الشرق الأوسط أن ملف سوريا ولبنان يقع في فلك العلاقة الأميركية الإيرانية والمحور الروسي. أما بالنسبة لبيروت بالتحديد فالمعضّلة الأساسية بالنسبة للأميركيين هي داخلية في تقاتل الاحزاب السياسية والطائفية فيما بينها على ترؤس السلطة، ولكن الصورة قد تتبلور مع وضوح المفاوضات الأميركية الإيرانية وتوزيع السلطة الاقليمية.
ويعتبر العرب المؤيدون لجو بايدن الذين أطلقوا عليه اسم يوسف بيضون أنه خبير في السياسة محنّك بفضل خبرته وتاريخه السياسي وضلوعه في الشؤون الخارجية لعقود عدّة، أنه قادر أن يحافظ على استقرار المنطقة ويؤمّن السلم والتوازن بين الدول بدبلوماسية حيث سيعيد للولايات المتحدة لقبها أنها “وعاء الانصهار” وحدودها مفتوحة أمام كل من يريد الانتقال اليها وتميّزها بالتعدد الاجتماعي والحضاري من كل اقطاب العالم.
ينظر العالم بأجمع نحو الانتخابات الأميركية لأن الولايات المتحدة لها مصالح واتفاقات في كل بقعة على الأرض، وشكل الإدارة الأميركية ومن يسيطر على البيت الأبيض يؤثر على هذه المصالح والعلاقات التي قد تتوّتر الى درجة الوصول إلى حروب دون التمييز بين الديمقراطيين الليبراليين أو الجمهوريين المتحفّظين، وأكبر دليل ما حصل حين استلمت هيلاري كلينتون التابعة للحزب الديمقراطي، السياسة الخارجية الأميركية وقادت مهمّة تغيير صورة الشرق الأوسط والربيع العربي، وفضيحة غوانتانمو، فبغض النظر من سيربح الانتخابات الرئاسية، قد تختلف طريقة التعاطي مع الملف الخارجي وإنّما شيء واحد أكيد وهو أن الهدف يبقى نفسه بالنسبة للادارة الاميركية ولن يتغيّر.