تنازل إيران عن حزب الله

العلاقات الإيرانية – حزب الله: مقايضة الأذرع بالنووي

في خضم التطورات السياسية والعسكرية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، تبرز مسألة علاقة إيران بأذرعها العسكرية، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، كجزء من إستراتيجيتها الأوسع للتفاوض بشأن برنامجها النووي. ثمة تحليل يقول إن إيران قد تكون مستعدة للتنازل عن بعض حلفائها في المنطقة مقابل تحقيق مكاسب في ملفها النووي، وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول جدوى هذه المقايضة على المدى البعيد، واحتمالات فشلها في النهاية.

تنازل إيران عن حزب الله: بين الثابت والمتغير

يقال إن إيران قررت، في سياق مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي، الامتناع عن السماح لحزب الله بالرد على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قوات النخبة المعروفة بـ”قوة الرضوان”. هذه الخطوة قد تشير إلى استعداد إيران للتضحية ببعض “أذرعها” في المنطقة، كجزء من تفاهمات أوسع تسعى من خلالها للحصول على تسهيلات أو تخفيف العقوبات في سبيل تطوير برنامجها النووي.

إذا صح هذا الادعاء، فهو يعكس ما يمكن وصفه بـ “مقايضة الثابت بالمتغير”. فإيران، في سعيها للحصول على السلاح النووي، مستعدة للتنازل عن قوى إقليمية مثل حزب الله التي طالما اعتبرتها ثابتة في إطار مشروعها التوسعي والنفوذ في المنطقة. لكن السلاح النووي، الذي تسعى إيران لتحقيقه من خلال التفاهمات مع الغرب، قد يكون مستقبله غير مضمون. فالتوازنات الدولية قد تتغير في لحظة، مما يجعل هذا المكسب عرضة للضياع.

ضربات إسرائيل ومخاطر التهاون

من ناحية أخرى، استغلت إسرائيل الفرصة لتوجيه ضربة قوية لحزب الله، مستهدفة “قوة الرضوان”، التي تعد أحد أهم أجنحة الحزب وأكثرها تدريبًا وخبرة في الميدان العسكري. ويبدو أن هذه الضربة شكلت ضربة موجعة للحزب، وربما قصمت “عموده الفقري” كما يصف البعض. إذا كانت إيران قد غضت الطرف عن هذا الهجوم، فإنه قد يشير إلى أن طهران تعتبر التفاهمات النووية مع الغرب أكثر أهمية من حماية حلفائها التقليديين.

لكن هذه المقايضة قد تكون باهظة الثمن. فإسرائيل، التي تعتبر حزب الله تهديدًا إستراتيجيًا على حدودها الشمالية، لن تتردد في استغلال ضعف الحزب إذا تأكدت أن إيران قد تخلت عنه فعليًا. واستمرار هذه الضربات قد ينهي قدرة الحزب على أن يكون قوة ردع فاعلة في المنطقة، مما يضعف نفوذ إيران الإقليمي بشكل كبير.

درس من التاريخ: أوكرانيا والعراق

تاريخيًا، هناك أمثلة على دول تنازلت عن قدراتها العسكرية أو النووية مقابل وعود وتفاهمات دولية، لكنها في النهاية دفعت ثمن هذه القرارات. أوكرانيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورثت آلاف الرؤوس النووية لكنها تنازلت عنها لصالح روسيا مقابل ضمانات دولية. ولكن، بعد عقود، اجتاحت روسيا أوكرانيا دون أن تفعل الدول الكبرى شيئًا يذكر لحمايتها، لأن أوكرانيا لم تعد تمتلك القدرات النووية التي كانت تحميها.

وبالمثل، أقنع المجتمع الدولي صدام حسين بتفكيك ترسانته الصاروخية في مقابل رفع الحصار الدولي المفروض على العراق. إلا أنه بعد أن نفذت فرق التفتيش الدولية عملها وأتلفت آخر صواريخ العراق، اجتاحت الولايات المتحدة البلاد وأسقطت نظام صدام حسين.

إذا أخذنا هذه الدروس التاريخية بعين الاعتبار، يصبح التساؤل مشروعًا: كيف يمكن لإيران أن تثق بتفاهمات أو وعود غربية في حال قامت بقطع أذرعها الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين؟ هل ستكون في موقف مشابه لأوكرانيا أو العراق، حيث يمكن أن تجد نفسها ضعيفة ومعزولة بمجرد تحقيق القوى العظمى لأهدافها؟

مخاطر التخلي عن الأذرع

التخلي عن الأذرع العسكرية والسياسية قد يترك إيران في موقف أكثر ضعفًا مما كانت عليه قبل التفاوض. فحزب الله ليس مجرد قوة إقليمية صغيرة، بل هو جزء من إستراتيجية إيران الأوسع في المنطقة، وهو الأداة الرئيسية التي تمارس من خلالها طهران نفوذها في لبنان وسوريا وفلسطين. التخلي عن هذه القوة يعني فقدان وسيلة ضغط كبيرة ضد إسرائيل وأمريكا وحلفائهما في الشرق الأوسط.

كما أن الحلفاء الإقليميين مثل الحوثيين في اليمن، الذين يشكلون قوة استراتيجية ضد السعودية، يمكن أن يكونوا التاليين في قائمة التنازلات الإيرانية إذا استمرت في السير في هذا النهج. وهذا سيفتح المجال أمام مزيد من الهجمات والضربات ضد هذه الحركات، مما يضعف إيران على مستوى النفوذ الإقليمي.

مقايضة محفوفة بالمخاطر

في النهاية، قد تكون إيران ترتكب خطأ استراتيجيًا كبيرًا إذا راهنت على برنامجها النووي على حساب أذرعها الإقليمية. التحالفات التي بنتها في المنطقة على مدى عقود كانت وسيلتها لتحقيق النفوذ والهيمنة الإقليمية، والتخلي عنها يعني فقدان قوة الردع التي تحمي مصالحها. بينما يبقى البرنامج النووي رهينًا للتقلبات السياسية الدولية، فإن خسارة الأذرع العسكرية قد تترك إيران بلا حماية حقيقية في مواجهة خصومها، سواء في المنطقة أو على الساحة الدولية.

التاريخ مليء بالدروس عن خطورة التنازل عن القوة مقابل وعود دبلوماسية، وإذا كانت إيران لا تريد أن تجد نفسها في موقف مماثل لأوكرانيا أو العراق، فعليها التفكير مليًا في هذه المقايضة التي قد تؤدي إلى خسارة كل من أذرعها وبرنامجها النووي في نهاية المطاف.

Join Whatsapp