"بيغاسوس: سلاح تجسس إسرائيلي يهدد الخصوصية العالمية"

برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”: أداة للمراقبة أم انتهاك عالمي للخصوصية؟

برنامج التجسس “بيغاسوس” الذي طورته مجموعة “NSO” الإسرائيلية يثير جدلاً عالميًا حول شرعيته واستخدامه. على الرغم من ترويج الشركة لبرنامجها كأداة لمحاربة الجريمة والإرهاب، تكشف المستندات القضائية ومجموعة من التقارير الإعلامية عن جوانب خطيرة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وخصوصية الأفراد.

أصل القضية بين واتساب و”NSO”

في أكتوبر 2019، رفعت شركة واتساب، المملوكة لشركة ميتا، دعوى قضائية ضد مجموعة “NSO” بعد اكتشافها أن الشركة استخدمت خوادم واتساب لتوزيع برنامج “بيغاسوس” على حوالي 1400 هاتف محمول. تضمنت هذه الأجهزة هواتف صحفيين، ونشطاء حقوقيين، وغيرهم من المستهدفين في مختلف أنحاء العالم.

كشفت وثائق المحكمة الأخيرة أن “NSO” لم تكتف بتطوير البرنامج فحسب، بل قامت بتشغيله نيابة عن عملائها. وفقًا لمحامي واتساب، كان دور العملاء مقتصرًا على إدخال رقم هاتف الهدف، بينما كانت “NSO” تتولى جميع الجوانب التقنية لجمع البيانات وتسليمها.

كيفية عمل “بيغاسوس”

يُعد “بيغاسوس” واحدًا من أكثر أدوات التجسس تعقيدًا. بمجرد تثبيته على هاتف الهدف، يتمكن البرنامج من الوصول إلى الرسائل، المكالمات، الصور، المواقع، وحتى كلمات المرور، وكل ذلك دون علم المستخدم. الأسوأ من ذلك، أن “بيغاسوس” قادر على تجاوز أنظمة الأمان مثل برامج مكافحة الفيروسات.

تؤكد “NSO” أنها تبيع هذه التكنولوجيا فقط للحكومات “المعترف بها” لاستخدامها في أغراض مشروعة، مثل مكافحة الإرهاب والجريمة. ولكن، التقارير تشير إلى استخدام البرنامج لاستهداف الصحفيين، والنشطاء، والمعارضين السياسيين، مما يعزز الاتهامات بأن “بيغاسوس” أداة للقمع أكثر من كونها وسيلة لحماية الأمن.

الاكتشافات الجديدة: تجاوزات وانتهاكات

بحسب الوثائق القضائية الأخيرة، طورت “NSO” أدوات متعددة، مثل Heaven وEden، لاستغلال خوادم واتساب لتنصيب “بيغاسوس” على الأجهزة المستهدفة. ورغم محاولة واتساب منع هذه الاختراقات، استمرت “NSO” بتطوير أدوات جديدة، مثل Erised، للتغلب على القيود.

كما كشفت الوثائق أن الشركة كانت على علم باستخدام عملائها للبرنامج في انتهاكات واسعة، لدرجة أنها قطعت الخدمة عن عشرة عملاء بسبب “الإساءة المفرطة”.

ردود “NSO” والاتهامات الموجهة إليها

في بيان رسمي، نفت مجموعة “NSO” الادعاءات، مشددة على أن عملاءها، وليس الشركة، هم المسؤولون الوحيدون عن تشغيل البرنامج وجمع البيانات. وأضافت أنها واثقة من أنها ستثبت براءتها في المحكمة.

إساءة استخدام “بيغاسوس” حول العالم

في عام 2021، أظهر تسريب قاعدة بيانات أن أكثر من 50,000 رقم هاتف في دول مثل المكسيك، والهند، والمجر، قد استُهدفوا باستخدام “بيغاسوس”. تشمل القائمة صحفيين، وسياسيين معارضين، ونشطاء حقوق إنسان.

أدى ذلك إلى إدراج الحكومة الأمريكية مجموعة “NSO” ضمن القائمة السوداء في عام 2021، مما حد بشكل كبير من قدرتها على العمل داخل الولايات المتحدة أو مع الشركات الأمريكية.

أزمة قانونية عالمية

القضية المرفوعة من قبل واتساب ليست الوحيدة التي تواجهها “NSO”. تخوض الشركة نزاعات قضائية في عدة دول، حيث رفعت شركات كبرى مثل آبل دعاوى ضدها. ومع ذلك، فإن قضية واتساب تسلط الضوء بشكل خاص على تورط الشركة المباشر في تشغيل البرنامج، مما قد يزيد من مسؤوليتها القانونية.

صعود صناعة التجسس التجاري

منذ بدء القضية، شهدت صناعة التجسس التجاري ازدهارًا كبيرًا مع زيادة عدد الشركات التي تطور برامج مشابهة لـ”بيغاسوس”. أشار تقرير من غوغل في عام 2023 إلى أن هذه الشركات مسؤولة عن ما يقارب نصف الثغرات الأمنية المكتشفة بين عامي 2014 و2023، مما يعكس خطورة الوضع.

تهديد عالمي للخصوصية

في حين تدافع “NSO” عن برنامجها كأداة أمنية ضرورية، تُظهر الأدلة المتزايدة أنه يُستخدم أيضًا كأداة للاضطهاد السياسي وانتهاك حقوق الإنسان. ومع تصاعد القضايا القانونية ضد الشركة، يبدو أن العالم يقترب من فرض المزيد من القيود على هذه الصناعة، في محاولة لحماية الخصوصية والحقوق الأساسية للأفراد.

Join Whatsapp