وكالة أسنا للأخبار – ASNA
في مشهد دولي معقّد، تتفاعل الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية في مناطق متعددة من العالم، من أوكرانيا إلى غزة، ومن السودان إلى حدود أوروبا الشرقية. وفيما تتسابق القوى الكبرى على إعادة رسم أدوارها، تتعاظم الضغوط على الاقتصادات، وتتفاقم معاناة الشعوب. نستعرض في ما يلي أبرز المحاور التي ترسم ملامح المرحلة الحالية، استناداً إلى تصريحات وتقارير رسمية صادرة حديثاً.
الدعم الغربي لأوكرانيا: توازن هش بين أوروبا وأمريكا
كشف معهد “كيل” للاقتصاد العالمي أن إجمالي المساعدات الأوروبية لأوكرانيا منذ عام 2022 بلغ نحو 157 مليار دولار، متفوقة بـ26 مليار دولار على نظيرتها الأمريكية. ويأتي هذا الفارق بشكل أساسي من دعم غير عسكري، إذ أن الولايات المتحدة لا تزال تتصدر في المساعدات العسكرية فقط بقيمة 74 مليار دولار، وهو تفوق ضئيل لا يتجاوز 1.1 مليار دولار على أوروبا، وسط تقلص مستمر في هذه الفجوة.
هذا التفوق الأميركي في الجانب العسكري يقابله توقف في تخصيص حزم مساعدات جديدة منذ 9 يناير 2024، ما زاد الضغوط على العواصم الأوروبية. اللافت أن الدول الإسكندنافية ودول البلطيق قدمت نسباً أكبر من ناتجها المحلي مقارنة بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، فيما برزت السويد مؤخراً بتقديم أكبر شريحة مساعدات أوروبية جديدة بقيمة 1.6 مليار دولار.
الساحة الاقتصادية العالمية: تراجع أميركي وصعود صيني
وفي سياق آخر، كشف مسح أجراه بنك أوف أميركا أن المستثمرين العالميين يتخلون عن الأسهم الأميركية بوتيرة قياسية، مسجلين أعلى انخفاض في عامين بنسبة 36% في القيمة الصافية لهذه الأسهم. هذا الاتجاه يعكس القلق المتزايد بشأن الاقتصاد الأميركي وسط توترات داخلية وخارجية.
في المقابل، الصين تُظهر نوايا واضحة لتعزيز موقعها كقوة اقتصادية جاذبة. فقد أكدت وزارة الخارجية الصينية التزامها بتقوية التجارة مع الدول “الصديقة”، معربة عن قلقها من هجمات إلكترونية أميركية على شركاتها. وشددت على أنها ستتخذ “كل الوسائل اللازمة” للدفاع عن أمنها السيبراني، في إشارة إلى تصاعد التوتر الرقمي بين القوتين العظميين.
أزمة غزة: كارثة إنسانية تتفاقم
الوضع الإنساني في غزة يسجل مستويات حرجة. وزارة الصحة في القطاع أعلنت أن نقص الأدوية وصل إلى 37%، والمستلزمات الطبية إلى 59%، مما يعوق تنفيذ التدخلات الجراحية الطارئة. الأكثر تضرراً هم مرضى السرطان والفشل الكلوي والقلب، في وقت تُمنع فيه المساعدات الإنسانية والتجارية من الوصول بسبب استمرار إغلاق المعابر.
وقد أكدت “الأونروا” أن مخازنها أصبحت فارغة، مشيرة إلى أن عشرات الآلاف من المدنيين باتوا مهددين بالجوع، مطالبة بفتح الممرات دون عوائق. فيما أسفرت الهجمات الإسرائيلية خلال 24 ساعة عن 17 قتيلاً و69 جريحاً.
السودان: نزوح جماعي وأزمة صحية خانقة
تمر السودان بواحدة من أسوأ أزماتها في التاريخ الحديث. فقد أعلنت مفوضية اللاجئين الأممية أن نحو 13 مليون سوداني نزحوا خلال عامين من الصراع، مع عجز كبير في التمويل إذ لا يتعدى الدعم المقدم للاستجابة الإقليمية 10% فقط من الاحتياجات.
الأوضاع الصحية أكثر كارثية؛ طبيب واحد لكل 25 ألف لاجئ في تشاد، وأكثر من 20 ألف لاجئ لكل طبيب في مصر. كما أن أكثر من 15 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينما 90% من الأطفال السودانيين خارج المدارس، وفق ما أفادت به “اليونيسف”، التي أشارت أيضاً إلى عجز مالي كبير، حيث لم يتم تأمين سوى 266.6 مليون دولار من أصل مليار مطلوب.
الطموحات الأوروبية والضغوط الجيوسياسية
في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا تبعات الحرب في أوكرانيا، تعتزم المفوضية الأوروبية فسخ العقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز الروسي، محاولة تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن موسكو. هذا التحرك يتزامن مع تحذيرات فرنسية من أن الرسوم الجمركية الأميركية حطمت الثقة العالمية في النظام التجاري.
على الجانب الأمني، يشدد الحرس الثوري الإيراني على أن القدرات الدفاعية والأمن القومي “خط أحمر”، بالتزامن مع مفاوضات إقليمية حساسة تجريها إيران في سلطنة عُمان بشأن ملفات عدة، أبرزها ملفها النووي.
عالم متغير بين الصراعات والتحولات
المشهد الدولي اليوم يتسم بالتحولات السريعة والمعقدة. الدعم الغربي المتفاوت لأوكرانيا، وتراجع النفوذ الاقتصادي الأميركي، وصعود الصين كقطب اقتصادي عالمي، إلى جانب الأزمات الإنسانية في غزة والسودان، كلها مؤشرات على أن العالم يسير نحو مرحلة جديدة من إعادة التوازنات السياسية والاقتصادية.
في ظل هذا الواقع، تبقى الحلول السياسية الشاملة والمستدامة هي السبيل الوحيد لتقليل معاناة الشعوب، وضمان استقرار النظام العالمي في مرحلة تتسم بتعدد الأقطاب وتضارب المصالح.