تُعد العلاقة بين روسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية واحدة من أكثر العلاقات تعقيداً وإثارة للاهتمام في التاريخ الحديث. على الرغم من أن هاتين القوتين العظميين أصبحتا خصمين لدودين خلال الحرب الباردة، إلا أن تعاونهما خلال الحرب العالمية الثانية كان حاسماً في هزيمة قوى المحور. تستعرض هذه المقالة كيف تجمعت هاتان الدولتان المتناقضتان أيديولوجياً خلال واحدة من أحلك فترات البشرية، وكيف تباعدتا في السنوات التي تلت ذلك.
عدو مشترك: بداية التحالف
وُلد التحالف بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة من الضرورة أكثر منه من الثقة المتبادلة أو القيم المشتركة. قبل الحرب، كان الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين يُنظر إليه غالبًا بعين الشك والعداء من قِبَل القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. كانت الدولتان متناقضتين أيديولوجياً، حيث كان الاتحاد السوفيتي يروج للشيوعية بينما كانت الولايات المتحدة تروج للديمقراطية والرأسمالية.
ومع ذلك، فإن صعود ألمانيا النازية وتوسّعها العدواني أجبر الدولتين على التحالف غير المريح. بعد غزو ألمانيا للاتحاد السوفيتي في يونيو 1941 (عملية بربروسا)، وجد الاتحاد السوفيتي نفسه في حاجة ماسة للدعم. وأدركت الولايات المتحدة، التي دخلت الحرب بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر في ديسمبر 1941، أن مساعدة الاتحاد السوفيتي كانت ضرورية لهزيمة ألمانيا النازية.
قانون الإعارة والتأجير: العمود الفقري للتعاون
أحد أبرز الأمثلة على التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب كان قانون الإعارة والتأجير. تم تفعيل هذا البرنامج من قبل الولايات المتحدة في مارس 1941، حيث قدم الاتحاد السوفيتي إمدادات حيوية، بما في ذلك الطعام والدبابات والشاحنات والطائرات والمواد الخام. أرسلت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من الإمدادات إلى الاتحاد السوفيتي، والتي لعبت دوراً حاسماً في دعم الجهود الحربية السوفيتية ضد النازيين.
لم يساعد قانون الإعارة والتأجير في إبقاء الاتحاد السوفيتي في الحرب فحسب، بل أظهر أيضًا الطبيعة البراغماتية للتحالف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. رغم اختلافاتهما، فهمت كلتا الدولتين أن هزيمة ألمانيا النازية كانت الأولوية القصوى، وكانوا على استعداد لتجاوز خلافاتهم الأيديولوجية—ولو مؤقتًا—لتحقيق هذا الهدف.
مؤتمرات طهران ويالطا: تشكيل العالم بعد الحرب
مع تقدم الحرب، اجتمع قادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة عدة مرات لمناقشة الاستراتيجية العسكرية ومستقبل العالم بعد الحرب. كان من أبرز هذه الاجتماعات مؤتمر طهران (1943) ومؤتمر يالطا (1945).
في مؤتمر طهران، نسق الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء جوزيف ستالين ورئيس الوزراء ونستون تشرشل جهودهم العسكرية ضد قوى المحور. واتفقوا على ضرورة فتح جبهة ثانية في أوروبا الغربية، مما أدى في نهاية المطاف إلى غزو النورماندي في يونيو 1944. كما وضع المؤتمر أسس التعاون بعد الحرب، على الرغم من أن بذور الخلاف المستقبلي كانت واضحة بالفعل.
أما مؤتمر يالطا، الذي عُقد في فبراير 1945، فقد ركز على إعادة تنظيم أوروبا بعد الحرب وإنشاء الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن القادة الثلاثة توصلوا إلى عدة اتفاقات، بما في ذلك تقسيم ألمانيا إلى مناطق احتلال ودخول الاتحاد السوفيتي الحرب ضد اليابان، فإن التوترات بدأت تظهر. الخلافات حول مصير أوروبا الشرقية، وخاصة بولندا، كانت تشير إلى الحرب الباردة التي ستعقب ذلك.
نهاية التحالف: من التعاون إلى المواجهة
بدأ التحالف بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في الانهيار حتى قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. عادت الخلافات الأيديولوجية التي تم تجاهلها خلال الحرب للظهور، حيث تنافست الدولتان على النفوذ في العالم بعد الحرب.
أثار سيطرة الاتحاد السوفيتي على أوروبا الشرقية وسياساته التوسعية قلق الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وشكلت بداية الحرب الباردة انقطاعًا حادًا عن التعاون الحربي، حيث انخرطت القوتان العظميان في صراع طويل الأمد على الهيمنة العالمية استمر لأكثر من أربعة عقود.
كان التعاون بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية تحالفًا مؤقتًا وبراغماتيًا، وُلد من الحاجة المشتركة لهزيمة عدو مشترك. على الرغم من اختلافاتهما الأيديولوجية العميقة، لعبت كلتا الدولتين أدوارًا لا غنى عنها في انتصار الحلفاء. ومع ذلك، فإن نهاية الحرب كانت بداية لعصر جديد من المنافسة والشكوك التي شكلت السياسة العالمية لبقية القرن العشرين.
يذكرنا تاريخ العلاقات الأمريكية السوفيتية خلال الحرب العالمية الثانية بأن حتى التحالفات الأكثر غرابة يمكن أن تتشكل في مواجهة التهديدات الوجودية. كما يُبرز هشاشة هذه التحالفات، حيث يمكن أن تتلاشى المصالح المشتركة التي تجمع الدول في أوقات الأزمات بسرعة، لتفسح المجال لصراعات ومنافسات جديدة.