واشنطن ترسم ملامح جديدة لعلاقتها مع أوروبا والعالم: نحو سياسة استقلالية وتوازنات جديدة
في مقابلة مثيرة مع موقع “أن هيرد” البريطاني، أطلق نائب الرئيس الأمريكي سلسلة من التصريحات الحاسمة التي تكشف عن تغير جذري في توجهات السياسة الأمريكية تجاه أوروبا والعالم. التصريحات، التي حملت نبرة نقدية وتحذيرية في آن، عكست رؤية إدارة ترامب لمرحلة ما بعد التبعية الأوروبية، وما تراه واشنطن ضرورة لإعادة رسم قواعد العلاقة بين ضفتي الأطلسي.
رسالة صريحة إلى أوروبا: الاستقلال الأمني ضرورة لا ترف
أكد نائب الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة “لا تريد قارة تابعة”، معتبراً أن استمرار التبعية الأمنية لأوروبا أمر “غير جيد”. وأشار إلى أن البنية التحتية الأمنية في أوروبا كانت، وعلى مدى عقود، مدعومة بالكامل من الولايات المتحدة، محملاً القادة الأوروبيين مسؤولية “إهمال الاستثمار في الأمن” واعتمادهم على المظلة الأمريكية في حماية بلدانهم.
وعلى الرغم من إقراره بأن بعض الدول الأوروبية لا تزال تحتفظ بجيوش قادرة على الدفاع الذاتي، إلا أنه وصف هذه الدول بـ”الاستثناء”، مشدداً على أن القاعدة العامة هي الغياب الكبير للجهوزية الدفاعية.
تحالف بشروط: الصداقة الأمريكية الأوروبية ليست مفتوحة بلا مقابل
في لهجة تعكس بداية مرحلة جديدة من التحالف المشروط، قال نائب الرئيس إن “أمريكا صديقة لأوروبا، لكن بشرط أن يكون قادتها مستعدين للعب دور أكثر استقلالية دولياً”. وهذا التصريح يشير إلى رغبة واشنطن في شراكة ندية، لا تبعية استراتيجية، تضع عبء الدفاع عن القارة الأوروبية على عاتق الأوروبيين أنفسهم، بما يخفف الضغط عن واشنطن في صراعاتها العالمية الأخرى.
في قلب الجدل الأوكراني: هجوم على زيلينسكي وتحذير من سياسة الحدود المفتوحة
لم تتوقف انتقادات نائب الرئيس عند حدود أوروبا، بل طالت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي وصفه بأنه “سخيف” حين ينتقد الإدارة الأمريكية التي تمول حكومته وجهوده الحربية، متهماً إياه بانعدام التقدير للمساعدات الأمريكية.
كما انتقد بشدة “سياسات الحدود المفتوحة”، معتبراً أنها “تقوض الثقة في الديمقراطية الغربية”، في إشارة إلى تداعيات الهجرة غير المنضبطة التي تؤرق المجتمعات الغربية.
تجاذبات عبر الأطلسي: علاقات أقوى مع بريطانيا.. وتحديات مع أوروبا
أعرب نائب الرئيس عن ارتياحه للعلاقة القوية مع حكومة بريطانيا، لكنه أشار إلى أن التعاون مع بعض الدول الأوروبية الأخرى “قد يكون أصعب”، في تعبير دقيق عن الفجوة السياسية المتزايدة بين واشنطن وبعض العواصم الأوروبية، خصوصاً في ظل اختلافات الرؤية حول الأمن والهجرة والتجارة.
ترامب يعود: رؤى جديدة للتجارة والتعليم والدفاع
من جهته، أدلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بعدة تصريحات كاشفة عن مواقفه في حال عودته إلى البيت الأبيض. فقد أكد التزامه برؤية طويلة الأمد رغم ما قد تحدثه من اضطرابات في الأسواق، مشدداً على أن الرسوم الجمركية هدفها “خفض العجز التجاري”. كما أعلن عن مفاوضات مرتقبة مع اليابان بشأن التكاليف الدفاعية والعدالة التجارية.
في موقف لافت، شن ترمب هجوماً لاذعاً على جامعة هارفارد، قائلاً إنها “ضلت طريقها” و”أصبحت ملاذاً لليساريين المتطرفين الحمقى”، داعياً إلى سحب تمويلها الفيدرالي ومنع تصنيفها بين أعظم الجامعات العالمية.
إيران واليمن: تصعيد الخطاب ضد واشنطن
في الجهة المقابلة، نددت الخارجية الإيرانية بالهجمات الأمريكية على اليمن، ووصفتها بـ”الانتهاك الصارخ للقانون الدولي”، معتبرة أنها تؤدي إلى “انعدام الأمن في المنطقة”، وتُشجع إسرائيل على مواصلة “الإبادة الجماعية في فلسطين”، في سياق يعكس التصعيد المستمر بين طهران وواشنطن حول ملفات المنطقة الساخنة.
أوكرانيا وموسكو: محادثات حساسة ومحاولات لتسوية
في سياق الجهود الدبلوماسية، أعلنت الخارجية الأمريكية عن زيارة لوفد يضم روبيو وويتكوف إلى باريس لإجراء محادثات بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، كشفت بلومبرغ أن موسكو طلبت من واشنطن السماح بشراء طائرات من بوينغ بأموالها المجمدة بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بينما أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أن أي التزامات “لن تُناقش إلا بعد وقف شامل لإطلاق النار”.
خلاصة: واشنطن الجديدة ترسم سياسة تقوم على الندية والواقعية
تعكس هذه التصريحات تحوّلاً واضحاً في الخطاب الأمريكي نحو العالم: لا مزيد من الرعاية المجانية، ولا شراكات بلا التزامات. واشنطن، في ظل إدارة ترامب أو خلفائه، تضع معايير جديدة للشراكة، تقوم على مبدأ المشاركة في الأعباء، والابتعاد عن التبعية، والانخراط الجاد في قضايا الأمن والاقتصاد والسيادة.