منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، لا تزال المنطقة تشهد واحدة من أعنف النزاعات في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فبعد مرور أكثر من عام ونصف على الغزو الروسي لأوكرانيا، يعاني الطرفان من استنزاف عسكري واقتصادي، في حين لم تظهر حتى الآن بوادر ملموسة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
الوضع الميداني وتقدم الحرب:
بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا بتوغل واسع النطاق من القوات الروسية في 24 فبراير 2022، بهدف الإطاحة بالحكومة الأوكرانية والسيطرة على العاصمة كييف. ورغم النجاحات الأولية التي حققتها روسيا، إلا أن القوات الأوكرانية تمكنت من صد الهجوم الروسي في بعض المناطق واستعادة أجزاء من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، خاصة في محيط العاصمة كييف ومدينة خاركيف.
مع مرور الأشهر، انتقلت الحرب إلى حرب استنزاف طويلة على الجبهة الشرقية والجنوبية لأوكرانيا، خاصة في مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوروجيا. تقدمت القوات الروسية ببطء، لكنها واجهت مقاومة شرسة من الجيش الأوكراني، الذي دعمته دول غربية بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية. ورغم ذلك، لا تزال روسيا تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014.
الضحايا والتكلفة البشرية:
بحلول منتصف عام 2023، قُدرت الخسائر البشرية من كلا الجانبين بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى. الأمم المتحدة سجلت مقتل حوالي 9,000 مدني أوكراني بحلول أغسطس 2023، بينما يُعتقد أن عدد الضحايا العسكريين من الطرفين أكبر بكثير. في الوقت ذاته، تسبب النزاع في نزوح ملايين الأشخاص، مع تقديرات تشير إلى فرار ما يقرب من 8 ملايين أوكراني إلى خارج البلاد.
الإنجازات العسكرية لكلا الطرفين:
من الناحية العسكرية، لم تحقق أي من روسيا أو أوكرانيا انتصارًا حاسمًا حتى الآن. روسيا تمكنت من تحقيق تقدم في السيطرة على بعض المناطق في الشرق والجنوب الأوكراني، لكنها فشلت في تحقيق هدفها الأساسي بإسقاط الحكومة الأوكرانية. من جهة أخرى، ورغم الدعم العسكري الهائل الذي تلقته أوكرانيا من الغرب، بما في ذلك الأسلحة المتطورة مثل صواريخ هيمارس وأنظمة الدفاع الجوي، فإن القوات الأوكرانية لم تتمكن من استعادة جميع الأراضي المحتلة.
الأبعاد الدولية والدبلوماسية:
منذ بداية الحرب، فرضت الدول الغربية عقوبات صارمة على روسيا، تشمل حظر استيراد النفط والغاز الروسيين وتجميد الأصول المالية. هذه العقوبات أضعفت الاقتصاد الروسي لكنها لم تؤد إلى انهياره. في المقابل، دعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أوكرانيا ماليًا وعسكريًا، وقدمت مساعدات بمليارات الدولارات. في ديسمبر 2022، أقرت الولايات المتحدة حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 45 مليار دولار، بالإضافة إلى الدعم العسكري المستمر.
ورغم الجهود الدبلوماسية التي قادتها الأمم المتحدة وتركيا، لا تزال محاولات التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم بعيدة المنال. في سبتمبر 2022، عقدت تركيا صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما اعتبر إنجازًا دبلوماسيًا، لكنه لم يفلح في إنهاء الصراع. وقد حاولت الصين لعب دور الوسيط عبر اقتراح مبادرة سلام في فبراير 2023، لكنها لم تحقق أي تقدم ملحوظ.
الحملات الانتخابية الأمريكية وتأثيرها على الصراع:
تلعب السياسة الأمريكية دورًا حاسمًا في استمرار الدعم لأوكرانيا، وخاصة خلال الحملات الانتخابية الرئاسية لعام 2024. الحزب الجمهوري يشهد انقسامًا حول الموقف من أوكرانيا، حيث يطالب بعض أعضائه بتقليص الدعم المالي والعسكري، في حين يواصل الديمقراطيون، بقيادة الرئيس جو بايدن، تقديم الدعم الثابت لأوكرانيا.
في هذا السياق، يعتبر دعم أوكرانيا جزءًا من حملة بايدن الانتخابية، حيث يعرض نفسه كرئيس قوي يدافع عن الديمقراطيات في مواجهة العدوان. في المقابل، قد يعمد المرشحون الجمهوريون إلى استخدام قضية الحرب الأوكرانية لانتقاد سياسات بايدن الخارجية والمطالبة بتقليل الإنفاق العسكري الأمريكي في الخارج. وقد يؤدي هذا التوجه إلى تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الآفاق المستقبلية وصفقات محتملة:
رغم استمرار التوتر والتصعيد العسكري، هناك بعض الدلائل التي قد تشير إلى إمكانيات التوصل إلى حلول سياسية. على سبيل المثال، قد يتم تمرير صفقة تضمن بقاء بعض المناطق المتنازع عليها تحت السيطرة الروسية مقابل ضمانات سيادية لأوكرانيا وانسحاب القوات الروسية من مناطق أخرى. أيضًا، يمكن أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا أكبر في الوساطة بين الطرفين، خاصة إذا استمرت الحرب في استنزاف الموارد الاقتصادية والبشرية.
من جهة أخرى، فإن إمكانية عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة أو قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وتركيا قد تكون واردة إذا ما وصلت الأطراف المتحاربة إلى مرحلة الإرهاق الكامل.
الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال في حالة من الجمود العسكري، مع عدم وجود انتصار واضح لأي طرف حتى الآن. الأوضاع الإنسانية كارثية، والخسائر البشرية والاقتصادية تتصاعد يومًا بعد يوم. على الرغم من الجهود الدولية المستمرة لوقف النزاع، لا تزال الحلول الدبلوماسية بعيدة المنال. ومع اقتراب الحملات الانتخابية الأمريكية، قد تتغير موازين القوى والتوجهات السياسية بشكل كبير، ما قد يؤثر على مسار الحرب وديناميكياتها.