التوترات السياسية في لبنان بين المقاومة والحكومة وأبعاد التدخل الإيراني
وكالة أسنا للأخبار ASNA – تتجدد التوترات السياسية في لبنان في ظل تصاعد الخلافات حول دور “المقاومة” اللبنانية في الحياة السياسية وتأثير التدخلات الإقليمية، وعلى رأسها إيران. التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مصدر مقرب من رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، حول ضرورة إشراك المقاومة في أي اتفاق سياسي مستدام في لبنان، تسببت في جدل واسع داخل الأوساط السياسية اللبنانية.
الموقف الإيراني: دعم للمقاومة والحكومة اللبنانية
أشار المصدر الإيراني إلى أن تصريحات قاليباف التي أُخذت من سياقها وتم تفسيرها بشكل خاطئ عبر وسائل الإعلام، لا تختلف عن موقفه الذي أوضحه خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان ولقائه مع المسؤولين، بما في ذلك رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي. الموقف الإيراني الواضح، كما ينقله المصدر، يتمثل في دعم كل ما تتوافق عليه الحكومة والمقاومة في لبنان من أجل الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم، معتبرًا أن أي حل سياسي مستدام يجب أن يحظى بموافقة المقاومة، في إشارة ضمنية إلى حزب الله الذي يعتبر الحليف الرئيسي لإيران في لبنان.
رد نجيب ميقاتي: استغراب من التدخل الإيراني
في المقابل، جاءت ردود الفعل اللبنانية على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أعرب عن استغرابه من تصريحات قاليباف. ميقاتي وصف تلك التصريحات بأنها “تدخل فاضح” في الشأن اللبناني الداخلي، واعتبرها محاولة لتكريس وصاية إيرانية على لبنان. وأوضح أن لبنان يعمل على حماية سيادته في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة، ويعتمد على أصدقائه الدوليين، ومنهم فرنسا، للضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار.
ميقاتي شدد أيضًا على أن الحكومة اللبنانية كانت قد أوضحت للمسؤولين الإيرانيين خلال زيارتهم الأخيرة، ومن ضمنهم وزير الخارجية الإيراني ورئيس البرلمان، ضرورة تفهم الوضع اللبناني الحساس. لبنان، بحسب ميقاتي، يسعى جاهداً لتجنب تعميق الصراعات الداخلية أو خلق مزيد من الأزمات نتيجة التدخلات الخارجية.
قرار مجلس الأمن 1701 والتداعيات
المحور الآخر الذي أثار الاستغراب من الجانب اللبناني هو استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا حول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي يدعو إلى وقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان بعد حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله. لبنان، وفقًا لميقاتي، لم يطلب من إيران التوسط بشأن هذا القرار الذي يتعلق بالسيادة اللبنانية ونشر الجيش اللبناني في الجنوب. هذا الموقف عزز المخاوف من أن إيران تسعى لترسيخ نفوذها في لبنان عبر حزب الله، وتعطيل الحلول السياسية التي لا تتوافق مع أجندتها الإقليمية.
المقاومة والحكومة: شراكة أم وصاية؟
تسليط الضوء على تصريحات قاليباف يعكس أهمية المقاومة في التركيبة السياسية اللبنانية. إيران ترى أن المقاومة تمثل ركيزة أساسية في أي اتفاق داخلي أو خارجي يتعلق بلبنان، لا سيما في مواجهة إسرائيل. لكن في الوقت نفسه، يثير هذا الموقف قلق بعض الأطراف اللبنانية التي ترى أن إشراك المقاومة في القرارات السياسية الحيوية قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية وإضعاف سلطة الدولة.
الميقاتي ومن معه يرون أن الحل السياسي في لبنان يجب أن يكون قرارًا لبنانيًا داخليًا بحتًا، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي قد تفاقم الأزمات المتعددة التي يواجهها لبنان، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية.
في ظل هذا الجدل، يبقى السؤال مفتوحًا حول الدور الإيراني وتأثيره على مسار الحلول السياسية في لبنان. هل يمكن للبنان أن يحقق استقرارًا سياسيًا دون موافقة المقاومة كما ترى إيران؟ أم أن هناك حاجة لتوازنات جديدة تضمن سيادة لبنان وتخفيف تأثير التدخلات الإقليمية والدولية؟
المسألة ليست سهلة الحل، خاصة في ظل التصعيد المستمر على الحدود مع إسرائيل، والضغوط الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها الحكومة اللبنانية.