اتفاق القاهرة 1969: سياقه التاريخي وتأثيره على الوضع في لبنان
وكالة أسنا للأخبار ASNA – اتفاق القاهرة هو اتفاق وُقّع في 3 نوفمبر 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية، بوساطة مصرية، في محاولة لتنظيم وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان بعد تزايد التوترات بين الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية. جاء الاتفاق في إطار جهود للحد من الصراع المتزايد على الأراضي اللبنانية، خاصة بعد اشتباكات مسلحة في الجنوب اللبناني بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية.
السياق التاريخي
في أعقاب حرب 1948 وقيام دولة إسرائيل، لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان والدول المجاورة. ومع مرور الوقت، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964، تستخدم لبنان كقاعدة عمليات لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. أدى هذا النشاط إلى توتر متزايد بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، خاصة في الجنوب اللبناني الذي كان يشهد اشتباكات مستمرة بين الجيش اللبناني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية.
زاد من تعقيد الوضع في لبنان التركيبة الطائفية الحساسة، حيث كان هناك مخاوف من انزلاق لبنان في حرب أهلية نتيجة لهذا التوتر. وفي ظل هذه الأوضاع، تدخّل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي كان في تلك الفترة زعيمًا للقومية العربية وداعمًا للقضية الفلسطينية، للتوسط بين الأطراف المتنازعة، الأمر الذي أدى إلى توقيع اتفاق القاهرة.
بنود الاتفاق
تم توقيع الاتفاق في القاهرة بين الوفد اللبناني برئاسة قائد الجيش اللبناني العماد إميل البستاني، ووفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، وكان هدفه تنظيم النشاطات الفلسطينية المسلحة داخل لبنان. من بين أهم بنوده:
- السماح للفلسطينيين بالعمل من جنوب لبنان: الاتفاق أعطى للفصائل الفلسطينية حرية العمل العسكري من الجنوب اللبناني، مما سمح لهم باستخدام هذه المنطقة كنقطة انطلاق للهجمات ضد إسرائيل.
- الاعتراف بوجود قوات فلسطينية في لبنان: اعتُبر الاتفاق بمثابة اعتراف رسمي بوجود قوات فلسطينية مسلحة على الأراضي اللبنانية.
- إشراف لبناني: نص الاتفاق على أن يكون النشاط العسكري الفلسطيني في لبنان تحت إشراف الجيش اللبناني، لكن التطبيق الفعلي لهذا البند كان ضعيفًا وغير فعال.
- تحديد قواعد الاشتباك: حاول الاتفاق وضع ضوابط للعلاقات بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية، لتجنب التصادمات المتكررة.
تداعيات الاتفاق
بينما كان الهدف الأساسي من الاتفاق هو تهدئة الوضع في لبنان، إلا أنه على المدى الطويل أثبت أنه لم يكن حلاً مستدامًا، بل ساهم في تعقيد الوضع السياسي والأمني في لبنان. الاتفاق منح الفصائل الفلسطينية حرية أكبر للتحرك في لبنان، مما زاد من توتر العلاقات بين الفلسطينيين وبعض الأطراف اللبنانية، خاصة المسيحيين الموارنة الذين شعروا بأن الاتفاق يقوّض سيادة لبنان.
مع مرور الوقت، أصبحت الفصائل الفلسطينية في لبنان شبه دولة داخل الدولة، واستغلت الجنوب اللبناني كمنصة لشن هجمات ضد إسرائيل، مما جعل لبنان هدفًا مستمرًا للغارات الإسرائيلية. أدى ذلك إلى تفاقم التوترات الداخلية اللبنانية، وساهم في تفجير الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في 1975.
الغاء اتفاق القاهرة
في عام 1987، وبعد عدة سنوات من الحرب الأهلية اللبنانية، أعلن البرلمان اللبناني إلغاء اتفاق القاهرة. وكان هذا الإلغاء بمثابة تأكيد على أن الاتفاق فشل في تحقيق الاستقرار وأنه ساهم بشكل كبير في تدهور الأوضاع الداخلية في لبنان.
النتائج طويلة الأمد
رغم إلغاء الاتفاق، إلا أن آثاره استمرت في التأثير على الوضع اللبناني لسنوات عديدة. فقد أدى إلى تغيير طبيعة الصراع الداخلي اللبناني وأصبح العامل الفلسطيني جزءًا لا يتجزأ من التوترات السياسية والطائفية في البلاد. كما أن التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني، والتي كانت متصلة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ساهمت في جعل لبنان ساحة للصراع بالوكالة بين مختلف القوى.