الثنائي الشيعي يفرض شروطه: كواليس انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية

شهدت الانتخابات الرئاسية اللبنانية أخيراً لحظة فارقة في تاريخ السياسة اللبنانية، حيث برز الدور الحاسم للثنائي الشيعي، المتمثل في حزب الله وحركة أمل، في رسم معالم المرحلة المقبلة من خلال فرض شروطه في المفاوضات الدولية والمحلية قبل الموافقة على انتخاب رئيس للجمهورية.

الدورة الأولى: رسالة الورقة البيضاء

في الدورة الأولى من جلسة انتخاب الرئيس، اختار الثنائي التصويت بورقة بيضاء. لم يكن هذا الموقف مجرد خطوة عابرة، بل رسالة واضحة للجميع بأن الثنائي لا يقبل انتخاب رئيس دون الحصول على ضمانات وتعهدات واضحة. كان المطلب الأساسي يتمثل في تقديم التزامات من قائد الجيش العماد جوزيف عون، والموفدين السعودي والأمريكي والفرنسي، تتعلق بأهم الملفات المحورية للبلاد، ومنها إدارة المرحلة المقبلة، إعادة الإعمار، تشكيل الحكومة، وزارة المالية، الاستراتيجية الدفاعية، وتسمية قائد الجيش المقبل.

أظهر تصويت الورقة البيضاء أن الثنائي لن يسمح بأي تجاوز لدوره في صياغة الاتفاقات الكبرى، وأن أي محاولة لفرض رئيس على البلاد لن تمر إلا عبر موافقته.

مفاوضات مكثفة

ترافقت الانتخابات مع مفاوضات ماراثونية بين الأطراف المختلفة. عقدت أربع جلسات بين المستشار السعودي يزيد بن فرحان والثنائي الشيعي، كان آخرها مع النائب علي حسن خليل فجر يوم الجلسة، واستُكملت بمناقشات مباشرة قبيل الجلسة بساعات. كما التقى الثنائي بقائد الجيش العماد جوزيف عون، حيث أكد له أن الحوار ممكن، ولكن تخطي الثنائي غير مقبول.

هذه اللقاءات لم تكن مجرد تفاوض على انتخاب رئيس، بل كانت فرصة لترتيب أولويات المرحلة المقبلة وضمان أن تكون شروط الثنائي جزءاً لا يتجزأ من أي تسوية سياسية.

تراجع الأصوات: هندسة دقيقة

في الدورة الأولى، توقعت الأطراف الدولية أن يحصل العماد جوزيف عون على 76 صوتاً، إلا أنه حصل على 71 صوتاً فقط. هذا التراجع في الأصوات كان نتيجة هندسة دقيقة من قبل الثنائي الشيعي، الذي أراد إيصال رسالة بأن لديه القدرة على التحكم في الأرقام وتحديد مسار الانتخابات بما يخدم مصالحه.

النتائج النهائية

رغم الضغوط الدولية لفرض قائد الجيش كرئيس دون اتفاق مسبق، أثبت الثنائي الشيعي أنه لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه. كانت الكلمة الفصل في انتخاب الرئيس بيد الثنائي، الذي نجح في فرض شروطه. تم الاتفاق على بقاء وزارة المالية تحت إشراف الثنائي، مع التزام سعودي بدعم ملف إعادة الإعمار بضمانات محددة.

في الدورة الثانية، وبناءً على التفاهمات التي شملت كافة الأطراف، تم انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، مما عزز من موقع الثنائي كصانع رئيسي للقرار السياسي في لبنان.

أظهرت كواليس انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية أن الثنائي الشيعي لا يزال القوة الحاسمة في المعادلة السياسية اللبنانية. من خلال المفاوضات الدقيقة وإظهار السيطرة على الأرقام، نجح الثنائي في فرض شروطه وضمان تمثيله في الملفات الأساسية للبلاد، ليؤكد مرة أخرى أن أي تسوية سياسية في لبنان تمر عبر موافقته أولاً.

Join Whatsapp