تسوية الحدود اللبنانية الإسرائيلية: مفتاح لفك ارتباط لبنان بحزب الله؟
تعيش الساحة السياسية اللبنانية مرحلة جديدة تتسم بتغيرات جوهرية على المستويين الداخلي والخارجي، حيث تواجه الحكومة الجديدة تحدياً مزدوجاً يتمثل في التعامل مع تداعيات الحرب الأخيرة، وإيجاد صيغة مناسبة للتعامل مع حزب الله الذي ظل لعقود يمسك بزمام القرار الأمني في الجنوب اللبناني. وفي هذا السياق، تبرز مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل كملف استراتيجي يمكن أن يكون مفتاحاً لتحولات كبرى في المشهد اللبناني.
الحدود والترسيم: معركة سياسية بامتياز
منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، لم تنتهِ حالة التوتر الحدودي بين البلدين، حيث استغل حزب الله غياب الترسيم النهائي للحدود لتبرير استمرار وجوده العسكري وعملياته ضد إسرائيل تحت شعار “تحرير الأرض المحتلة”. وقد أعادت الحرب الأخيرة هذا الملف إلى الواجهة، لا سيما في ظل انهيار القوة العسكرية للحزب بعد استهداف قيادته العليا، بما في ذلك مقتل أمينه العام حسن نصر الله، وتراجع نفوذه السياسي.
إن بدء مفاوضات جديدة حول ترسيم الحدود البرية، كما تم في ملف الحدود البحرية، يعكس تطوراً مهماً، لكنه لا يعني بالضرورة نجاح العملية. فإسرائيل مطالبة بالتخلي عن أراضٍ تحت سيطرتها، بما فيها تلك التي ضمتها منذ عام 1948، وهو أمر يتطلب إما استفتاءً وطنياً أو موافقة أغلبية ساحقة في الكنيست. من جهة أخرى، لا يبدو أن لبنان مستعد للتنازل عن أي جزء من أراضيه، ما يجعل المفاوضات أمام تحديات جدية.
حزب الله والحكومة الجديدة: اختبار القوة والشرعية
ترى الحكومة اللبنانية أن تنفيذ القرار 1701، الذي ينص على انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه، يجب أن يتم بالتوازي مع تثبيت الحدود الدولية للبنان. في المقابل، يرفض حزب الله أي خطوة تستهدف نزع سلاحه، لكنه، وفق تصريحات رئيس مجلسه التنفيذي علي دعموش، يمنح الحكومة “فرصة” لإثبات قدرتها على حماية السيادة اللبنانية.
هذا التغيير في خطاب الحزب يعكس ضعفه النسبي مقارنة بالماضي، لكنه لا يعني أن مسألة نزع سلاحه ستكون سهلة. فبينما تدفع الحكومة نحو فرض سيادة الدولة، يشكك الحزب في قدرة الجيش اللبناني على ردع إسرائيل، ما يبرر، وفق منطقه، استمرار وجوده المسلح.
الدعم الدولي: محفزات وضغوط
تدرك الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، أن حل مسألة الحدود قد يكون المدخل الوحيد لإضعاف نفوذ حزب الله وإنهاء مبررات بقائه كقوة عسكرية مستقلة. ولذا، تدعم تلك الدول الحكومة اللبنانية عبر مساعدات مالية وعسكرية، مثل رفع التجميد عن 95 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني وتوسيع قوامه بنحو 6000 جندي. كما أن السعودية ودول الخليج تستعد للمساهمة في إعادة إعمار لبنان، وهو ما قد يوفر للحكومة أدوات لتعزيز شرعيتها أمام الرأي العام.
المعادلة الصعبة: بين الداخل والخارج
في ظل كل هذه التطورات، يبدو أن الحكومة اللبنانية أمام اختبار حاسم. فنجاحها في ترسيم الحدود مع إسرائيل قد يعزز موقفها داخلياً، لكنه لن يكون كافياً لإجبار حزب الله على نزع سلاحه ما لم تستطع إثبات قدرتها على حماية الحدود والسيادة اللبنانية. وفي المقابل، إذا فشلت في تحقيق إنجاز دبلوماسي ملموس، فسيجد حزب الله مبرراً لاستعادة نفوذه تحت شعار “الدفاع عن لبنان”.
المعركة اليوم لم تعد فقط بين الحكومة وحزب الله، بل باتت معركة بين رؤيتين للبنان: الأولى تسعى إلى تحويله إلى دولة ذات سيادة مكتملة، والثانية تريد إبقاءه رهينة للتوازنات الإقليمية والصراعات المسلحة.