"توقيف رياض سلامة: صفقة سياسية أم تصفية حسابات؟"

القبض على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة يمثل تطوراً بارزاً في المشهد السياسي والاقتصادي اللبناني، خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد فيه لبنان أزمات متشابكة. لفهم أبعاد هذا التوقيف، يجب النظر إلى عدة عوامل سياسية واقتصادية ودولية، فضلاً عن التحالفات الداخلية والمصالح المتداخلة بين الأطراف اللبنانية.

1. البعد السياسي لتوقيف رياض سلامة:

رياض سلامة كان لعقود جزءًا من النظام المالي اللبناني وشغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ عام 1993. وخلال الأزمة المالية الأخيرة التي شهدت انهيار النظام المصرفي، تحوّل سلامة إلى أحد الرموز المثيرة للجدل، حيث تم تحميله مسؤولية كبيرة عن الفساد وسوء إدارة الأموال العامة. العديد من الشخصيات السياسية، مثل جبران باسيل، وجهوا له اتهامات بالفساد وسرقة أموال المودعين.

مع ذلك، يجب أن نتساءل: لماذا الآن؟ توقيف سلامة يأتي في ظل عدم وجود رئيس جمهورية وعدم استقرار سياسي واضح. هذا التوقيت قد يعكس حاجة بعض القوى السياسية إلى تقديم “كبش فداء” لامتصاص غضب الشارع، أو لتوجيه الأنظار بعيداً عن مشاكل أخرى. سلامة يمثل جزءًا من النظام القديم الذي يتعرض لضغوط متزايدة.

2. صفقة سياسية محتملة؟

تدور التساؤلات حول إمكانية وجود صفقة سياسية بين الأطراف المختلفة وهو أمر وارد. لبنان معروف بتاريخه في عقد الصفقات السياسية التي تعتمد على تقاسم المصالح والنفوذ. طرح اسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية كان مطروحاً منذ فترة، لكنه واجه عقبات عديدة. قد يكون هناك الآن محاولات لعقد صفقة جديدة بين الأطراف السياسية، حيث يتم استخدام توقيف رياض سلامة كورقة ضغط أو مقايضة.

من الممكن أن تحاول بعض القوى السياسية، مثل حركة أمل وحزب الله، دعم ترشيح فرنجية مقابل تقديم تنازلات تتعلق بالقضايا المالية أو الأمنية، بما في ذلك قضية سلامة. توقيف سلامة قد يكون جزءًا من هذه الترتيبات، حيث يتم التوصل إلى اتفاقات خلف الكواليس بين الأطراف السياسية المختلفة.

3. دور جبران باسيل:

جبران باسيل، كرئيس للتيار الوطني الحر وأحد أبرز الشخصيات السياسية المناهضة لرياض سلامة، قد يكون له دور غير مباشر في توقيف سلامة. باسيل كان من أكثر المنتقدين لسياسات سلامة، خصوصاً في مسألة إدارة أموال المودعين والفساد المالي. إذا كان باسيل يلعب دورًا في خلفية المشهد، فقد يستخدم هذه القضية لتعزيز موقفه السياسي أو للضغط من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو تحالفات جديدة.

كما أن باسيل يسعى للبقاء في الساحة السياسية بأي ثمن، وقد يستخدم هذه الفرصة لتحسين صورته أمام الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمة مالية خانقة، أو لتعزيز تحالفاته مع قوى داخلية ودولية مؤثرة.

4. البعد الدولي:

لا يمكن تجاهل العامل الدولي في هذه القضية. الدول الغربية وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كانت تضغط منذ فترة على لبنان لإجراء إصلاحات ومحاربة الفساد. توقيف سلامة قد يكون خطوة تهدف إلى تلبية بعض هذه المطالب الدولية، وبالتالي تأمين الدعم المالي أو السياسي من الخارج. سلامة كان أيضًا هدفًا لتحقيقات دولية تتعلق بتحويلات مالية كبيرة، وقد يكون توقيفه مرتبطًا بضغط خارجي لتحقيق العدالة المالية.

5. التداعيات المستقبلية:

توقيف رياض سلامة قد يفتح الباب أمام سلسلة من التطورات السياسية والاقتصادية في لبنان. إذا كانت هناك صفقة سياسية في الأفق، فقد نشهد تنازلات من بعض الأطراف اللبنانية في مقابل تأمين مصالحها في المرحلة القادمة. كما أن هذا التوقيف قد يؤثر على عملية انتخاب رئيس الجمهورية، حيث يمكن استخدامه كوسيلة ضغط لتمرير بعض الأسماء أو المشاريع السياسية.

توقيف رياض سلامة في هذا التوقيت يبدو أنه يحمل أبعاداً سياسية معقدة. من المحتمل أن يكون جزءاً من صفقة أكبر تتضمن مصالح سياسية واقتصادية، وربما تمهد الطريق لعقد تحالفات جديدة أو تسويات على مستوى رئاسة الجمهورية. دور جبران باسيل، رغم أنه ليس علنياً في هذه اللحظة، قد يكون له تأثير في هذه التطورات، خصوصاً أنه كان من أبرز منتقدي سلامة.

Join Whatsapp