في مقابلة أثارت جدلاً واسعًا على الساحة اللبنانية، وجه جبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر” والحليف الأساسي لـ “حزب الله” في لبنان، انتقادات غير مسبوقة للحزب، محملاً إياه مسؤولية تدهور الأوضاع في لبنان نتيجة تبني استراتيجية “وحدة الساحات”. باسيل، الذي طالما اعتُبر شريكًا في التحالف مع “حزب الله”، بدا في حديثه لقناتي “العربية” و”الحدث” وكأنه يفكك هذا التحالف، ويدعو إلى مراجعة الدور الذي يلعبه الحزب في الصراع الإقليمي.
تصريحات مفاجئة وتحول في الخطاب
أشار باسيل إلى أن “حزب الله” أخطأ استراتيجيًا بإسناد غزة، مشددًا على أن هذه السياسة تصب في مصلحة دول أخرى، وليس في مصلحة لبنان. وأضاف أن هذه الاستراتيجية أضعفت الحزب نفسه وتسببت في خسارة لبنان لقوته. كما حمل باسيل إيران مسؤولية غير مباشرة في هذه الأزمة، مطالبًا إياها بمواجهة إسرائيل بشكل مباشر، بدلاً من إشراك لبنان كطرف غير مباشر في الصراع.
الأكثر إثارة في تصريحات باسيل كانت اعترافه بأن “التيار الوطني الحر” لم يعد في حالة تحالف مباشر مع “حزب الله”، محذرًا من أن لبنان يواجه خطرًا حقيقيًا لفتنة داخلية، كما تحدث عن الأزمة الرئاسية في البلاد، مؤكدًا أنه قدم عدة أسماء لرئيس مجلس النواب نبيه بري لحل هذا المأزق.
انتقادات حادة من اللبنانيين
تزامنت تصريحات باسيل مع حملة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من اللبنانيين عن صدمتهم من التحول الكبير في موقفه، خصوصًا أنه كان لعقود الحليف الأول لـ”حزب الله”. واعتبر بعض المنتقدين أن باسيل يحاول النأي بنفسه عن الحزب في هذا التوقيت الصعب، الذي يشهد تصاعداً في العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، واصفين تصريحاته بأنها محاولة للهروب من سفينة قد تغرق.
التعليقات على وسائل التواصل كانت حادة ومتباينة، فالبعض رأى أن باسيل يحاول تقديم نفسه كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، مستغلًا تراجع نفوذ “حزب الله” دوليًا وإقليميًا. انتقد آخرون ظهوره على قناة “الحدث”، التي يرونها منحازة ضد “حزب الله”، معتبرين أن باسيل يحاول الاستفادة من الموقف لصالح طموحاته الرئاسية. تغريدات مثل “جبران باسيل كنا نحترمه لأنه مقاوم، الآن أصبحنا نكرهه لأنه كشف حقيقته” و”صهر البيت يعلن طلاقه من حزب الله”، كانت من بين الآراء التي عبّرت عن شعور بالخيانة من موقفه الجديد.
تقلبات باسيل السياسية والطموحات الرئاسية
يُعرف جبران باسيل بتقلباته السياسية، فهو يراهن دائمًا على أوراق مختلفة لضمان وجوده في المشهد السياسي اللبناني. التحالف الذي جمعه مع “حزب الله” كان مصلحة استراتيجية للطرفين، حيث ضمن باسيل دعم الحزب في الانتخابات وفي تمكين التيار الوطني الحر من التأثير السياسي الواسع، وفي المقابل، منح الحزب الغطاء المسيحي الضروري لاستمرار هيمنته على المشهد السياسي اللبناني.
لكن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان، وتصاعد الضغوط الدولية على “حزب الله”، بدأ باسيل بالبحث عن مخرج جديد يضمن له استمرارية نفوذه وطموحاته الرئاسية. يرى كثيرون أن تصريحاته الأخيرة هي محاولة للتملص من الحلف مع “حزب الله”، استعدادًا لتحالفات جديدة قد تساعده في الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
في النهاية: هل هي قطيعة أم مناورة؟
يظل السؤال المطروح هو: هل يعكس موقف جبران باسيل الجديد قطيعة فعلية مع “حزب الله”، أم أنه مجرد مناورة سياسية لتحسين موقفه في السباق الرئاسي؟ كثيرون يرون أن باسيل يراقب الوضع عن كثب، ويعيد ترتيب أوراقه بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فيما يرى آخرون أن التحالف مع “حزب الله” لا يمكن كسره بسهولة، وأن التصريحات الأخيرة هي مجرد محاولة لتهدئة الرأي العام ولعب دور مزدوج.
في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أزمات غير مسبوقة، يبقى المشهد السياسي مليئًا بالتقلبات والمفاجآت. تصريحات باسيل قد تكون بداية تحول في علاقته مع “حزب الله”، لكنها أيضًا قد تكون جزءًا من لعبة أكبر يسعى من خلالها إلى تعزيز فرصه في العودة إلى قصر بعبدا.