حزب الله: نشأة وتطور وصراع محتدم على الأراضي اللبنانية
نشأة حزب الله ودوره كذراع إيرانية في لبنان
في أوائل الثمانينيات، برز حزب الله كحركة مسلحة انشقت عن حركة أمل الشيعية بدعم من الحرس الثوري الإيراني. استند في نشأته إلى فكرة “ولاية الفقيه” ليصبح الممثل الأكبر للطائفة الشيعية في لبنان، بمرجعية دينية وسياسية مرتبطة مباشرة بطهران. تبنى الحزب، منذ نشأته، خطاب المقاومة ضد إسرائيل، مما ساهم في جذب قاعدة شعبية من اللبنانيين الشيعة، خاصة في المناطق المحرومة مثل الجنوب والبقاع. وبفضل التمويل الإيراني، وسّع الحزب نفوذه ليصبح القوة العسكرية والسياسية المهيمنة على الساحة اللبنانية.
حرب 2006 وتأثيرها على المجتمع اللبناني
خاض حزب الله حربًا ضد إسرائيل في عام 2006، انتهت بدمار واسع للبنية التحتية اللبنانية. استهدفت الحرب الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني، مما أدى إلى تدمير آلاف المنازل وتشريد أكثر من مليون ونصف المليون من اللبنانيين، الذين وجدوا أنفسهم دون مأوى أو دعم كافٍ من الدولة. هذه الأزمة الإنسانية أظهرت محدودية قدرة الحزب في حماية حاضنته الشعبية، ورسمت شكوكًا حول أولوياته الحقيقية.
الاغتيالات والتوسع في النفوذ السياسي
توسعت سلطة حزب الله في لبنان من خلال القضاء على خصومه بطرق قمعية، وصلت إلى حد الاغتيالات. وكان من أبرز ضحايا هذه السياسة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الذي اغتيل عام 2005، وهي عملية أدانت فيها المحكمة الدولية حزب الله. على الصعيد السياسي، استغل الحزب التحالفات ليعزز نفوذه، كما فعل في اتفاق مار مخايل عام 2006 مع التيار الوطني الحر، الذي سمح له بتوسيع سيطرته على مرافق الدولة ودعم انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية.
التصعيد العسكري وضغوط دولية متزايدة
شهد عام 2024 سلسلة من الهجمات والغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت حزب الله، في ظل توتر إقليمي متصاعد. بدأت هذه الموجة من التصعيد في 17 سبتمبر، حيث أُصيب آلاف من عناصر الحزب في انفجارات متزامنة لأجهزة النداء، مما رفع مستوى التوتر بين الحزب وإسرائيل. وفي 20 سبتمبر، شنت إسرائيل غارات على بيروت أدت إلى مقتل قائد وحدة الرضوان، إبراهيم عقيل، وسط اتهامات متبادلة بخرق قواعد الاشتباك. اشتدت وتيرة الغارات على الجنوب اللبناني اعتبارًا من 23 سبتمبر، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى من المدنيين، وأجبر مئات الآلاف على النزوح.
فشل معادلة الدفاع واغتيال حسن نصر الله
في 27 سبتمبر 2024، قُتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مقرًا للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت. جاءت عملية الاغتيال بعد رصد استخباراتي إسرائيلي لمكان اجتماع نصر الله مع قادة الحزب، وتحديد موقعه في مقر محصن، استهدفته طائرات إسرائيلية من طراز إف-35 بقنابل خارقة للحصون يزيد وزنها على 2000 طن، مما أدى إلى تدمير عدة مبانٍ كليًا. في البداية، تضاربت الأنباء حول مصير نصر الله، لكن الجيش الإسرائيلي أعلن رسميًا في اليوم التالي عن نجاح العملية، وتلاه بيان من حزب الله نعى أمينه العام وتعهد بالثأر والرد. نتج عن الغارة أيضًا مقتل القيادي علي الكركي، قائد الجبهة الجنوبية، ونائب قائد فيلق القدس عباس نیلفروشان.
ردود الفعل كانت متباينة؛ فقد أدان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الهجوم ووصفه بـ”حرب إبادة”. وفي خطابه الأخير قبل اغتياله، تحدى نصر الله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلًا إنه لن يستطيع إعادة المستوطنين في الشمال إلى منازلهم، مضيفًا تهديدات بإطلاق صواريخ تجاه المدن الإسرائيلية.
الضربات الإسرائيلية الموجعة واستئصال قيادات حزب الله
مع تصاعد التوترات الإقليمية ووصول النزاع إلى ذروته، كثف الجيش الإسرائيلي من عملياته ضد حزب الله، مستهدفًا البنية التحتية وقادة الحزب البارزين. صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأن حزب الله قد “تلقى ضربات موجعة جدًا”، معلنًا عن القضاء على الأمين العام للحزب حسن نصر الله، والقيادة العليا لقوة الرضوان، الذراع العسكرية المسؤولة عن عمليات الحزب في جنوب لبنان.
وأشار غالانت إلى أن الضربات الإسرائيلية لم تقتصر على نصر الله فقط؛ بل امتدت لتشمل صفوف القيادة العليا وأركان الحزب، حيث قُتل العديد من قيادات الصفين الثاني والثالث في عمليات دقيقة، نفذت استنادًا إلى معلومات استخباراتية فعالة. وأضاف غالانت أن البنية التحتية للصواريخ التابعة لحزب الله تعرضت لأضرار كبيرة، نتيجة لضربات جوية موجهة بدقة، مما أثر على قدرات الحزب الصاروخية.
في الوقت ذاته، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل محمد رشيد سكافي، قائد منظومة الاتصالات في حزب الله، بعد استهدافه في بيروت. يُعتبر سكافي، الذي كان يشغل هذا المنصب منذ عام 2000، من أهم القيادات التنظيمية، حيث كان مسؤولًا عن تطوير وصيانة أنظمة الاتصالات التي تضمن استمرارية نقل المعلومات بين الوحدات المختلفة للحزب. وأدى اغتياله إلى إضعاف منظومة الاتصالات التي يعتمد عليها حزب الله، مما أثر على تواصل وتنسيق العمليات الداخلية للتنظيم.
تزامنًا مع هذه الاغتيالات، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته في الجنوب اللبناني، مستهدفًا مواقع استراتيجية لحزب الله في القرى اللبنانية التي تحتوي على مستودعات أسلحة وصواريخ ومنصات إطلاق مضادة للدبابات. ووفقًا للبيانات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، أسفرت هذه العمليات عن مقتل مئات من عناصر الحزب في مواقع تحت الأرض ومواقع سطحية كانت تُستخدم للتخزين وإطلاق الصواريخ.
يعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله “ليس نفس المنظمة التي بدأت الحرب قبل عام”، مؤكدين أن استئصال قيادات الحزب وبنيته العسكرية يمهد لنهاية تأثيره في المنطقة.
التوجه نحو سيادة الدولة وإعادة بناء لبنان
في ظل الأحداث المتسارعة، والأزمات التي أثقلت كاهل لبنان، بات من الضروري أن تتضافر جهود الفرقاء اللبنانيين والمجتمع الدولي لوضع حد للوضع الراهن. يتطلب الاستقرار الحقيقي تسليم سلاح حزب الله إلى الدولة اللبنانية، لتكون الجهة الوحيدة المخوّلة بالدفاع عن الوطن وحماية أراضيه، وفقًا لأطر قانونية ودستورية.
ومن هنا، يجب دعم انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود، ليكون هو الجهة المسؤولة عن الأمن والدفاع، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار 1701، بما يكفل وقف العمليات العدائية مع إسرائيل وتهيئة المناخ لسلام مستدام. علاوة على ذلك، يتوجب على القوى السياسية توحيد جهودها للاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قادر على مواجهة التحديات الراهنة وبناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية.