كما في كل مرة يرتفع فيها سعر صرف الدولار، يبدأ احتكار السلع وتخزينها من قبل التجار، وهو ما ينسحب أيضاً على الأدوية التي دخلت بدورها السوق السوداء والاحتكار من قبل الموزعين والوكلاء، وأعلن، أمس، نقيب الصيادلة جو سلوم أن ارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى 46 ألف ليرة، أدى إلى توقف كامل عن تسليم الأدوية وحليب الأطفال.
وتوجّه سلوم فيما سمّاه نداءً إلى المعنيين بالقول: «الارتفاع المطرد والسريع للدولار، أدى إلى توقف شبه كامل عن تسليم الأدوية والحليب إلى الصيدليات، وبالتالي فقدانها تدريجياً، ناهيك عن انعكاساته السلبية على الواقع الصحي والإفلاسات التي تنتظر كل قطاعات الدواء وفي مقدمتها الصيدليات، وبالتالي الإقفال».
وقال: «لا أحد يختلف على أن المواطنين عاجزون عن تحمّل المزيد من الأعباء وارتفاع الأسعار، وكذلك الصيدليات وشركات الأدوية ومصانع الدواء عاجزة عن الاستمرار، في حين أن وزارة الصحة تقوم بأكثر من واجبها في هذه الظروف الصعبة وضيق الموارد والخيارات، ونقابة صيادلة لبنان لا تألو جهداً في مكافحة كل أشكال المخالفات والتهريب والتلاعب بصحة المواطن».
وتوجه إلى السياسيين في الداخل والمجتمع الدولي لإنقاذ المريض والقطاع الصحي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، فالإنقاذ يبدأ بانتخاب رئيس للبلاد، لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار المالي والاقتصادي، وإعادة انتظام الحياة الدستورية والتشريعية لتذهب الأمور في اتجاه التعافي ووضع الخطط التنفيذية، ولا سيما الصحية، وإلا الانهيار الحتمي والتوقف القسري لكل القطاع الدوائي في غضون أيام».
وما أعلن عنه سلوم أمس ليس جديداً في لبنان، حيث بات الأمر نفسه يتكرر في كل مرة يرتفع سعر صرف الدولار، وهو ما تتحدث عنه صاحبة إحدى الصيدليات في منطقة المتن، في جبل لبنان، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة تكمن في تسعير الأدوية وفق مؤشر كانت تصدره وزارة الصحة أسبوعياً استناداً إلى سعر صرف الدولار، ويكون عادة أقل من سعر الصرف في السوق السوداء بنحو ألفي ليرة، لكن اليوم أحياناً تمر عشرة أيام أو أكثر قبل إصدار المؤشر وهو ما يجعل التجار وموزعي الأدوية يحتكرون الدواء ويمتنعون عن تسليمه مع الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار طمعاً بالربح الإضافي لعلمهم المسبق أن كل مؤشر جديد سيلحظ زيادة في الأسعار».
وفيما تلفت إلى أن مؤشر الأسبوع الماضي لحظ رفع الدعم الجزئي عن الدواء الوطني الذي يعتمد في تصنيعه على مواد أولية مستوردة ما أدى إلى ارتفاع سعر الدواء ضعفين، تشير إلى معلومات مفادها أن الشركات لن تسلّم الدواء قبل بداية العام المقبل، محذرة من تداعيات هذا الأمر لا سيما لناحية توجّه بعض الصيدليات للإقفال إذا نفدت كمية الأدوية الموجودة لديها، لكنها تشير في المقابل إلى وجود كميات كبيرة من الأدوية المهربة في الأسواق والصيدليات ولا سيما من سوريا وتركيا، وهو ما سبق أن أعلن عنه نقيب الصيادلة، وتقول: «هناك صيدليات في مناطق محددة مليئة بالأدوية المهربة وغير الشرعية لكن التفتيش لا يجرؤ على الدخول إليها، وهذا ما يؤثر على صحة المواطنين لا سيما إذا لم تكن ذات فاعلية».
وموضوع الأدوية والقطاع الصحي والاستشفائي كان يوم أمس محور اجتماع عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وشارك فيه وزراء المالية يوسف الخليل، والصحة العامة الدكتور فراس الأبيض والعمل مصطفى بيرم، ونقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون، والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي ومدير مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت جوزف عتيق.
وقال بيرم بعد الاجتماع إنه تمت مناقشة الأمور الصحية وإعادة النظر بالتعرفات الطبية ومسائل الأدوية ومدى توافرها، وتوفير الأموال والسلف اللازمة للمستشفيات من أجل مساعدة المرضى.
وتم الاتفاق على متابعة القضايا، فهناك أمور سيتابعها رئيس الحكومة مع حاكم مصرف لبنان تتعلق بتسهيل دفع المستحقات عبر البنوك، وهناك أمور لدى وزير المالية تتعلق بتوفير السلفات والتدوير في الأوقات المناسبة وتسهيل عمليات الدفع. أيضاً تم الاتفاق على عقد اجتماع بين وزراء العمل والصحة والمدير العام للضمان والمدير العام لتعاونية موظفي الدولة من أجل إعادة النظر باللائحة الدوائية الواسعة جداً، وسيتم اعتماد الأدوية الأساسية لدعمها، فبدلاً من أن يدفع المواطن مبالغ كبيرة على كل الأدوية ويحصل على دعم صغير، ستتم إعادة النظر بهذه اللائحة لزيادة تلبية الأمراض المتداولة، وسيُعقد لقاء قريب لبحث هذا الأمر. وأضاف: «كل خطوة تقوم بها الحكومة يسبقنا فيها ارتفاع صرف الدولار، ولكن نعمل على طريقتنا، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وكل ذلك من أجل أن تبقى هناك مواكبة دائمة تحقق مصلحة المواطن أولاً».