وجه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي مساء اليوم، كلمة الى اللبنانيين، من السراي الحكومية، قال فيها: “أيها اللبنانيون، قبيل دخول الحكومة حكما في مرحلةِ تصريف الاعمال، رغبتُ أن اتوجه اليكم بكلمة. اليوم قبل انعقاد مجلس الوزراء اجتمعت مع فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأجرينا تقويما لعمل الحكومة على مدى ثمانية اشهر مضت .وخلال الاجتماع أبلغت فخامةَ الرئيس انه بموجب المادة 69 من الدستور فان الحكومةَ ستدخل منتصف ليل غد في مرحلة تصريف الاعمال، فطلب فخامةُ الرئيس من الحكومة الاستمرارَ في عملها الى حين تشكيل حكومة جديدة.خلال اللقاء شكرتُ فخامة الرئيس على التعاون الذي حصل بيننا وعلى دعمِه، كما أشكرُ السادة الوزراء الذين عملنا كفريق واحد بروح عالية من المسؤولية الوطنية.
لقد قام كل وزير بواجباته في وزارته بالأمكانات والظروف المتاحة، وادعوهم الى الاستمرار في الاعمال المطلوبة منهم لتسيير شؤون الناس ومواكبة التحديات الكبيرة التي تواجهنا يوميا. كما أحيي الموظفين والاداريين الذين يواظبون رغم الصعوبات والامكانات على تسيير شؤون الادارة،بكل ضمير حي ومناقبية شخصية ومهنية ، ولهم مني كل التحية .
الشكر موصول أيضا للمجلس النيابي الكريم ودولة الرئيس نبيه بري بالذات على التعاون الذي طبع العلاقة بين الحكومة والمجلس النيابي. وفي هذه المناسبة بالذات فانني اتقدم من السادة النواب بالتهنئة ومتمنيا عليهم الاسراع في الخطوات المطلوبة لتسمية رئيس الحكومة الجديد وتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت.
التحديات التي تواجه وطننا تتطلب ادارة قوية وتعاونا من كل الاطراف، وعدم التأخير في بت الملفات، لأن الوقت لم يعد متاحا لأي تأخير. هذا التاخير كلفته عالية على لبنان واللبنانيين، ولو قمنا بالحل منذ سنتين لكانت التكلفة أقل بكثر ، وكل يوم يمر من دون حل وولوج خطة التعافي سيترب اعباء اضافية.
في العشرين من ايلول الماضي نالت حكومة” معا للانقاذ” الثقة في مجلس النواب، وها نحن اليوم في 20 ايار نعقد الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء. وبين هذين التاريخين ، مرت ثمانية أشهر كانت حافلة بالتحديات اليومية، التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة.
وفي هذا الاطار ساتوقف عند بعض العناوين لما قامت به الحكومة خلال ثمانية أشهر:
لقد إنتهينا للتو من إتمام استحقاق الانتخابات النيابية في موعدها بشفافية وحيادية مطلقة شهد لها العالم وكافة الهيئات الرقابية. ونترك لهم وللرأي العام وللتاريخ أن يحكم في ما اذا كنا اوفياء للتعهد الذي قطعته شخصيا وكذلك سائر الوزراء باننا ملتزمون بانجاز هذا الاستحقاق في موعده. هذا الاستحقاق لم يكن سهلا ضمن الظروف الاقتصادية الموجودة. حتى الحبر لماكينات الطباعة في الادارات ليس متوافرا. ولكننا انجزنا الاستحقاق بكل جدارة من قبل الموظفين والاداريين ووزارات الداخلية والعدل. والشكر الكبير للجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة وللقضاة جميعا . في هذا الاستحقاق كنا على مسافة واحدة من جميع المتنافسين، ولم نكن معنيين الا بتهيئة افضل المناخات امام اللبنانيين لممارسة حقهم الدستوري وإستطعنا الى حد كبير القيام بهذا الواجب الوطني على أكمل وجه.
على الصعيد الاقتصادي والمالي وما يتصل بخطة التعافي المالي والاقتصادي، فقد قمنا بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووقعنا بالأحرف الأولى ما يسمى “إتفاق الموظفين” الذي يشكل خارطة طريق للحل والتعافي،على أن يستكمل التفاوض في المرحلة المقبلة لانجاز الاتفاق النهائي الذي سيفضي الى التعافي الكامل. كان همنا الأساسي في هذا الملف وقف الانهيار والحفاظ على المقومات التي تساعد على التعافي، وبشكل أساسي، الى حماية حقوق المودعين، وتمكين كافة القطاعات ومن ضمنها القطاع المصرفي، من النهوض مجددا.
في هذه المرحلة تم الأخذ بعين الاعتبار ضمان الودائع الذي يشمل صغار المودعين وكبار المودعين . بالنسبة الى صغار المودعين فقد وصلنا مع صنروق النقد الدولي الى تأمين الودائع بسقف يصل الى مئة الف دولار ، فنحن نؤمن الودائع تأمينا كاملا ،ونسعى لزيادة هذا المبلغ خلال المفاوضات اللاحقة .
كذلك كبار المودعين نريد ان نضمن لهم ودائعهم كاملة ونحن بصدد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بهذا الصدد.
في موضوع المصارف وخلافا لكل ما يقال نحن نريد ان نحمي المصارف لأن لا اقتصاد دون مصارف، ولكن على مصرف لبنان ان يقوم بوضع المعايير المطلوبة ، لكي تعمل المصارف بطريقة سليمة، لكي تساهم في نمو الاقتصاد.
في ما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي والفعلي يجب ان تكون الخطة مترافقة مع ايجاد فرص عمل لتحقيق النمو المطلوب، ونحن نسعى خلال هذه الفترة الى تحقيق هذين الأمرين.
الهم الاساسي في هذا الملف هو وقف الانهيار والحفاظ على المقومات التي تساعد على التعافي ، وبشكل اساسي لحماية حقوق المودعين وتمكين القطاعات كافة ، ومن ضمنها القطاع المصرفي من النهوض مجددا.
من دون الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لن تكون فرص الانقاذ التي ننشدها متاحة ،فهو المعبر الأساس للانقاذ، وهذا ما عبر عنه جميع اصدقاء لبنان الذين يبدون نية صادقة لمساعدتنا .
لقد أرسلت حكومتنا الى مجلس النواب عددا من مشاريع القوانين ذات الصلة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي،واهمها الموازنة، وللمجلس الكلمة الفصل في ما يراه مناسبا في هذا الصدد.
وبين هذين البندين الاساسيين،الانتخابات والتفاوض مع صندوق النقد ،تمكنت الحكومة من تصويب وتصحيح الشوائب التي إعترت علاقات لبنان مع اشقائه العرب وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي، واصدقاء في العالم والمجتمع الدولي .
أيها اللبنانيون، نحن نتفهم غضبكم ووجعكم ونعمل قدر المستطاع على تخفيف الحمل عنكم. وباذن الله وبالتعاون المخلص بين كل الارادات اللبنانية ستبدأ مرحلة التعافي التدريجي باسرع وقت ممكن.لقد عملنا في الحكومة بضمير حي وسنستمر في تأدية واجباتنا كما يلزم،لاننا نتطلع اولا وأخيرا الى تخفيف المعاناة التي يرزح تحتها المواطن ولا قدرة للغالبية على تحملها.خلافا لما يحاول البعض اشاعته، فان ما تم اتخاذه من خطوات وقرارات هو ضروري لتمرير هذه المرحلة في انتظار استكمال خطوات الحل المطلوب للتعافي والانقاذ.
على الصعيد الاجتماعي أطلقت حكومتنا برنامج” أمان” للمساعدات الاجتماعية واستفاد منه حتى 45 الف عائلة ،يتقاضون بين مئة ومئة واربعين دولار كل شهر نقدا، والمخطط له مع نهاية حزيران أن نصل الى دعم 150 الف عائلة .كما تمت افادة 60 الف عائلة من البرنامج الوطني للاسر الأكثر فقرا في لبنان، إضافة الى تقديم مساعدات نقدية شتوية لأبناء المناطق الجبلية ما فوق 700 متر ووصلت المساعدة الى ما مجموعه 48 الف عائلة، نالت كل عائلة منهم مبلغا بالدولار الاميركي.
تربويا تم تأمين اعادة فتح المدارس في كل لبنان عبر دفع الحوافز المالية للاساتذة العاملين في التعليم العام والمهني الرسمي والتي تقدر بحوالى 500 مليار ليرة لبنان. كما جرى دعم صناديق المدارس الرسمية بحوالى 335 مليار ليرة.
أيها اللبنانيون واللبنانيات، في ملف الكهرباء، وهو علة العلل والسبب الاساس للنزف المالي للخزينة وجيوب اللبنانيين، باشرنا منذ اليوم لبدء عملنا تنفيذ خطة ثلاثية لهذا القطاع تبدا بتأمين الحد الأدنى من الطاقة عبر الاتفاق مع الحكومة العراقية لتأمين الفيول، وهو اتفاق لا يزال ساريا. أما المرحلة الثانية من الخطة ، فتقضي باستجرار الكهرباء من الاردن وتزويد لبنان بالغاز من الشقيقة مصر، وهذه المرحلة لا تزال مرتبطة بامور تتعلق بالقانون الدولي وبانجاز الاتفاقات بين لبنان والدول الثلاث لتمرير لاستجرار الكهرباء والغاز عبر سوريا، قبل اقرار القرض الخاص بهذه المرحلة من قبل البنك الدولي.
على المدى الطويل، قرر مجلس الوزراء في جلسة سابقة التفاوض مع اربع شركات دولية هي “إنسالدو، ميتسوبيشي، جنرال الكتريك وسيمنس” في امكان تزويد لبنان بالمولدات اللازمة لانتاج الكهرباء بمعدل 24 ساعة وبصورة دائمة. وبالفعل فقد قدمت شركتا جنرال الكتريك وسيمنس، بالاتفاق مع مجموعات دولية، عرضا لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية قبل الصيف المقبل بسعر مقبول جدا، حتى بما يتعلق بسعر الغاز لانتاج الطاقة ولكننا تريثنا في الامر الى حين اعداد دفتر شروط مناسب بطريقة شفافة ووفق القوانين المرعية. وصلني انا شخصيا ، كما وصل الى وزارة لطاقة ، عرضان من شركتي “جنرال الكتريك وسيمنس” ويقضي كل عرض بتزويد معملي دير عمار والزهراني بالف ميغاوات طاقة على الغاز ، على ان تؤمن الشركتان ايضا الغاز اللازم لتوليد الطاقة ، وبسعر مقبول جدا نسبة الى الاسعار العالمية.
قررنا تكليف مكتب استشاري وضع دفتر الشروط باسرع وقت ممكن لاجراء عملية تلزيم دولية وفق الاصول، لكن للأسف ، فبعدما ارسل معالي وزير الطاقة الطلب الى مجلس الوزراء، تم سحبه بالأمس، من دون اعطاؤ اي تبرير الا “للمزيد من الدرس”. كذلك فقد سحب وزير الطاقة من مجلس الوزراء الملف المتعلق بتغويز الغاز لمعمل الزهراني وفق مناقصة دولية تشارك بها شركات عالمية . وهذا العرض كان سيساعد لبنان في المستقبل.
ما اوردته عن عمل الحكومة هو القليل من الكثير، فكل الوزراء عملوا باخلاص، كل في وزارته. نعلم اليوم ان وزير البيئة يتابع كل ملفات وزارته وكذلك وزير السياحة ووزيرة التنمية الادارية التي عملت على اقرار ملف السياسة الرقمية ومكافحة الفساد ووضع خارطة لاعادة استنهاض الادارة اللبنانية ، وكذلك وزير الاشغال العامة الذي قام بتلزيم محطة الحاويات في مرفأ بيروت واعد المخطط التوجيهي للمرفأ الذي سيتم الانتهاء من العمل به خلال شهر تموزبطريقة علمية من قبل شركات عالمية.واعتذر اذا كان سها عن بالي عمل وزارات اخرى.
اخواني، عندما قبلت بتسلم المسؤولية، واجهت تيارا واسعا من الاعتراضات حتى من اقرب المقربين، لعلمهم بحجم التحديات والتراكمات التي ستواجهني، ولكنني قبلت تحمل المسؤولية بروح وطنية وبارادة صلبة للانقاذ.
لن اتوقف عند كلام التجني والافتراء الذي يقال، ولا عند العراقيل التي واجهتني وواجهت حكومتي، بل ساستمر في العمل ضمن المسؤولية الوطنية التي تقتضيها المرحلة.
بالتأكيد لن اكون شاهد زور إزاء محاولات رهن البلد مجددا بمصالح شخصية، او التعاطي مع الملفات الحيوية بمنطق الشخصانية الذي كلف الخزينة اعباء باهظة منذ سنوات. عندما قررت قبول المسؤولية،أقدمت بشجاعة، ولكن الشجاعة شيء والانتحار شيء آخر.
ساظل اواجه المسؤولية بشجاعة ولكن لن اقبل بدفع البلد الى الانتحار، لأن هناك من يريد مصلحته قبل اي أمر آخر. ساقول كفى كلما لزم الامر وساصارح اللبنانيين بكل أمر.
“معا للانقاذ” لم يكن مجرد عنوان لحكومتنا بل كان فعل ايمان مستمر بهذا الوطن وبشعبه الابي الصامد. وشكرا”.