ماذا لو أخبرتك أنّنا نعيش في العام 1725 ميلادي، أي في القرن الثامن عشر، الأمر يبدو غريبًا أليس كذلك؟! لكن هذا ما كان سيحدث لو كانت فرضية الوقت الشبحي صحيحة، فما هي هذه الفرضية؟
فرضية الوقت الشبحي هي الفرضية التي تعتقد أن الفترة في العصور الوسطى بين 614-911 ميلادي هي فترة لم تحدث على الإطلاق، بل تمت إضافتها إلى التقويم السنوي إما عبر المصادفة، أو بسبب التفسير الخاطئ للوثائق أو عن طريق التزوير المتعمد من قبل الأشخاص المتآمرين في التقويم.
مؤسس هذه الفرضية هو المؤرخ الألماني الذي يدعى هربرت أليغ، وروج لهذه الفرضية في ثمانينات القرن الماضي، ويعتقد أن الملك شارلمان ليس حقيقيًا وهو من الأمور الكثيرة التي تمت فبركتها أثناء إعداد التقويم.
يعتقد هربرت أليغ أن هذه الفبركة تمت من قبل الإمبراطور الروماني أوتو الثالث والبابا سلفستر الثاني وقسطنطين السابع، ويعتقد هربرت اليت أن أوتو الثالث والبابا سلفستر الثاني كانا يعيشان في العام 700 ميلادي، لكنهم أرادا أن يعيشا في عام 1000 ميلادي، وذلك لأن أوتو الثالث أراد أن يكون عهده عام 1000 بعد الميلاد بسبب اعتقادات خاصة بالدين المسيحي، فقاما نتيجة لذلك بفبركة التوقيت وأضافا بطولات وهمية للملك شارلمان، إمبراطور الامبراطورية الرومانية، وملك الفرنجة وقد عاش بين عامي 742 و814 ميلادي بالإضافة إلى شخصية الفريد العظيم الذي عاش بين 849 و899 ميلادي الذي حكم مملكة ويسيكس، ويعد كل منهم محض افتراء وخيال ولا وجود لهم في الحقيقة.
الأدلة التي استند إليها هربرت أليغ في دعم فرضية الوقت الشبحي هي أن الآثار التي تعود للحقبة الزمنية الواقعة بين عامي 614 و911 ميلادي قليلة للغاية، واستمرار العمارة الرومانية الأوروبية الغربية في القرن العاشر، مع أن الإمبراطورية الرومانية سقطت عام 475 بعد الميلاد، وهي فترة تمتد لأكثر من 400 عام.
ويعتقد المؤرخ الأماني، هربرت أليغ أن المؤامرة التي تمت حياكتها لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت حتى عام 1582 عندما قام البابا غريغور الثالث عشر بإصلاح التقويم اليولياني الذي فرضه يوليوس قيصر سنة 45 قبل الميلاد بالتقويم الغريغوري.
كان التقويم يزيد كل سنة بـ 10.8 دقيقة عن السنة السابقة، وقام البابا غريغوري بتعديل التقويم لأنه أراد التأكد من أن يتم الاحتفال بعيد الفصح في وقت الاعتدال في فصل الربيع، وبسبب ذلك، تمت إضافة 10 أيام للتاريخ والانتقال من 4 أكتوبر عام 1582 إلى 15 أكتوبر، ورأى هربرت أن الفرق كان 13 يومًا وليس 10 أيام كما اعتقد البابا غريغوري، وقد تراكمت على مدى 1600 سنة من التقويم اليولياني.
وفي عام 1986 تم عقد مؤتمر تاريخي في ميونخ، وكشف عن التزوير في وثائق تعود إلى مخطوطات القرون الوسطى من طرف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
كما بحث أليغ عن أدلة أخرى تدعم فرضيته، ووجد البعض منها مثل فجوة البناء في القسطنطينية بين عامي 558 و908 ميلادي، نتيجة لذلك يعتقد هربرت أن هناك 297 سنة ملفقة ولا وجود لها من الأساس.
ومن المؤيدين الآخرين لفرضية الوقت الشبحي جان هاردوين، الذي يعتقد أن المخطوطات الرومانية والآثار الرومانية تم تزويرها من قبل الرهبان البينديكتيين، ولكن حتى وفاته عام 1729 م، لم يقدم أدلة كافية تظهر ما الذي دفع الرهبان البينديكتيين للقيام بعملية تزوير كبيرة إلى هذا الحد، ولم يقدم أدلة علمية كافية تدعم هذه الاتهامات.
ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد، بل دفعت فرضية الوقت الشبحي عالم الرياضيات الروسي أناتولي فومينكو إلى ابتكار نظرية جديدة وهي التسلسل الزمني الجديد، هذه النظرية شككت في التاريخ، ورأت أن الأمجاد البريطانية كانت لصالح روسيا.
وتدعي هذه النظرية ببساطة أن كل شيء حدث قبل عام 800 ميلادي (وحتى قبل عام 1000 ميلادي) غير حقيقي.. هل تعي حجم الاتهامات في هذه النظرية؟
والأمر الأكثر غرابة من هذه النظرية (التي يمكن إبطالها بسهولة من خلال دراسة علم الآثار) أن الشعب الروسي يميل إلى تصديقها، حيث أظهرت الإحصائيات أن 30% من الشعب الروسي يميل لتصديق التسلسل الزمني الجديد، والسبب ببساطة هو أن هذه النظرية تضيف أمجادًا أكثر إلى تاريخ روسيا مما هو عليه الحال في الحقيقة.
لنعد إلى فرضية الوقت الشبحي، فعلى الرغم من أن هذه الفرضية مسلية، وغالبًا ما تكون الفرضيات التي تثير الجدل إلى حدٍّ بعيد مثيرة للاهتمام، وبالأخص في حال تلفيق بعض الأدلة التي تدعم هذه النظرية، لكن النظريات الخارجة عن المألوف تتطلب أدلة قوية للغاية وخارجة عن المألوف أيضًا، كما أن هربرت قفز إلى استنتاجه بسرعة واتبع نهجًا غير علمي في إثبات فرضيته.
إلا أن أغلب العلماء الذين درسوا العصور الوسطى يعد هذه الفرضية سخيفة ولا أساس لها من الصحة، لأن إليغ لا يملك معلومات كافية حول علم الآثار أو علم تحديد أعمار الأشجار، والذي يوفر أدلة قوية على أن هذه الفترة الزمنية موجودة وليست مفبركة كما يعتقد.
كما أن إليغ لا يقدم أدلةً كافية مثلًا على تطور الحضارات الأخرى مثل حضارة الصين، والهند وبلاد فارس في هذه الفترة الزمنية التي يعدها مزورة، كما أنه لا يملك إجابة ولا يستطيع تفسير العديد من الأمور الأخرى مثل انطلاقة وتطور البلدان الإسلامية وانتشارها عبر الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية.
لكن لا يمكننا أن ننكر أن فرضية الوقت الشبحي من الفرضيات المثيرة للاهتمام والمسلية للقراءة والاطلاع، أو يمكن القول بأنها من الفرضيات المجنونة التي ظهرت في وقت من الأوقات وأثارت ضجةً كبيرة، لكن من خلال القليل من الأبحاث يمكن إثبات أن هذه الفرضية خاطئة ولا يمكن الوثوق بها على الإطلاق.