الدم في غزة يسبق القرارات… أين مسؤولية العالم ومستلزمات القانون؟
وكالة أسنا للأخبار ASNA
بقلم: ليلى ناصر
منذ ساعات الصباح الأولى، أعلنت إسرائيل توسيع عمليتها العسكرية في قلب مدينة غزة، معتبرة أنّ الهدف “الأكثر أخلاقية” هو إعادة المختطفين. لكن خلف هذه الكلمات المزيّنة، هناك واقع آخر يصرخ: غارات جوية على مخيمات مكتظة بالسكان، بيوت مهدّمة فوق رؤوس ساكنيها، ودماء تسيل في الأزقة الضيقة.
مخيم الشاطئ في غرب المدينة تحوّل إلى ساحة موت، حيث سقط مصابون جراء القصف، فيما لم يسلم شمال خان يونس من الغارات التي ضربت مبان سكنية. في المقابل، تصف الرئاسة الفلسطينية ما يحدث بأنه تصعيد خطير وجرائم حرب جديدة، بينما ترى حركة حماس أن ما يجري هو فصل جديد من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، تحت غطاء أميركي كامل.
المشهد الإنساني يزداد قتامة. تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن تدمير أحياء كاملة، ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين قسراً، فيما تؤكد الأونروا أنّ العائلات تُجبر على الفرار في ظروف مأساوية بلا ماء ولا كهرباء ولا مأوى. الأطفال ينامون في الشوارع، والنساء يبحثن عن كسرة خبز أو جرعة ماء، بينما تتصاعد أصوات الانفجارات من كل مكان.
على المستوى الدولي، ارتفعت بعض الأصوات الناقدة. السويد وصفت الهجوم بأنه يفاقم الكارثة الإنسانية وينتهك القانون الدولي، وألمانيا أكدت أنّ نهج إسرائيل خاطئ، أما إيرلندا فذهبت أبعد من ذلك، قائلة إنّ “إبادة جماعية” تجري أمام أعين العالم. لكن هذه الإدانات، مهما علت، تبقى كلمات عاجزة أمام واقع تُكتب تفاصيله بالنار والبارود.
ولم تقتصر الحرب على غزة وحدها، إذ امتدت النيران إلى ميناء الحديدة في اليمن، حيث شنّت إسرائيل غارات مكثفة قالت إنها تستهدف “بنى تحتية لنقل أسلحة إيرانية”، بينما أعلن الحوثيون أنّ دفاعاتهم الجوية أجبرت بعض الطائرات على الانسحاب. المنطقة كلها تقف على حافة انفجار إقليمي أكبر، حيث لا أحد يعرف متى وأين سيتوقف شلال الدم.
الولايات المتحدة، من جهتها، تنشغل بلقاءات ومفاوضات عبر الدوحة للبحث في ملف الرهائن. وزير الخارجية الأميركي يشكر أمير قطر على جهود الوساطة، فيما يتحدث الرئيس الأميركي عن “فتح أبواب الجحيم” إذا استخدمت حماس الرهائن دروعاً بشرية. أما المدنيون في غزة، فلا ينتظرون وساطات ولا بيانات، بل يبحثون عن ملجأ آمن في مدينة فقدت كل معاني الأمان.
اليوم، غزة تحترق.
تحترق ببيوتها وأطفالها وأحلامها الصغيرة. العالم يراقب، بعضه يتضامن بالكلمات، وبعضه يمنح الغطاء للقاتل. وفي ظل هذا الصمت المدوّي، يظل السؤال الأهم: هل سيبقى الضمير الإنساني متفرجاً على إبادة تُرتكب جهاراً نهاراً، أم سيجرؤ العالم أخيراً على اتخاذ خطوات حقيقية توقف نزيف الدم وتعيد للإنسانية معناها؟