وكالة أسنا للأخبار | ASNA
تحليل سياسي واقتصادي | واشنطن
خطاب ترامب الجديد: أمن قومي، تفوق رقمي، وخصخصة اقتصادية شاملة
في سلسلة تصريحات صدرت عنه مؤخرًا، حدّد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ج. ترامب ملامح رؤيته للولايات المتحدة في ولايته الثانية، مركّزًا على ثلاث قضايا جوهرية: الهجرة، الريادة التكنولوجية، والاقتصاد العقاري. وبنبرة هجومية واضحة، أعاد ترامب صياغة سرديته السياسية من موقع السلطة، لا المعارضة، ووجّه رسائل داخلية وخارجية تعكس استراتيجية متكاملة تهدف إلى “إعادة برمجة الدولة الأميركية”، على حد وصف مستشاريه.
الهجرة: خطر داخلي أم سردية أمن قومي؟
شنّ الرئيس ترامب هجومًا لاذعًا على إدارة سلفه جو بايدن، متهمًا إياها بفتح الحدود أمام “مجرمين وتجار مخدرات ومضطربين عقليًا”، معتبراً ذلك “خيانة على أعلى مستوى”. وذهب إلى حدّ القول إن جهات خفية استغلت تدهور الحالة العقلية لبايدن للسيطرة على القرار السياسي في البلاد.
الخطاب لا يستهدف فقط سياسات الهجرة، بل يعيد تقديمها كمعركة وجودية لحماية الوطن من الانهيار الداخلي. هذه الرسائل تعبّئ القاعدة المحافظة وتؤسس لحملة سياسية طويلة الأمد. لكنها أيضًا تعمّق الانقسام داخل المجتمع الأميركي، وتثير جدلًا متصاعدًا حول العلاقة بين الأمن القومي وحقوق الإنسان.
الريادة التكنولوجية: واشنطن في سباق 6G
في تحول نحو الملفات الاستراتيجية، دعا ترامب إلى تحرير المزيد من الطيف الترددي (spectrum) ودفع الكونغرس لإدراج نطاق 600 ميغاهرتز ضمن مشروع قانون شامل لتعزيز شبكات WiFi، و5G، و6G. وقال: “يجب أن تبقى أميركا الأولى في هذا المجال. لا تراهنوا أبدًا ضد العبقرية الأميركية.”
الرئيس يربط بين التقدم التكنولوجي والأمن القومي الأميركي، في رسالة واضحة للصين والدول المنافسة. كما أن فتح السوق أمام شركات الاتصالات عبر طرح الترددات الجديدة قد يخلق فرصًا اقتصادية ضخمة ويجذب الاستثمارات. إلا أن المسألة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الخصخصة والرقابة الفدرالية.
الاقتصاد العقاري: خصخصة فاني ماي وفريدي ماك
في إعلان اقتصادي أثار اهتمام الأسواق، صرّح ترامب بأنه يدرس إعادة شركتي Fannie Mae وFreddie Mac إلى التداول العام، بعد أكثر من 15 عامًا من السيطرة الحكومية عليهما عقب أزمة 2008، مشيرًا إلى أنه سيجري مشاورات مع كبار المسؤولين الاقتصاديين حول التوقيت والآلية.
الخطوة تعكس رغبة الإدارة في تحرير السوق العقاري، وتقديم رسالة ثقة للمستثمرين. لكنها تحمل أيضًا مخاطر تتعلق بإمكانية ارتفاع تكلفة القروض العقارية إذا لم يُصاحب القرار بإجراءات تنظيمية. الخصخصة قد تكون مفيدة على المدى القصير، لكنها بحاجة إلى دراسات أعمق لضمان حماية المستهلك الأميركي.
رئاسة بخطاب تعبوي وتكتيك مؤسسي
في المجمل، يقدّم ترامب نفسه ليس فقط كرئيس جمهوري قوي، بل كمهندس لمشروع وطني جديد. في ولايته الثانية، يحاول تصحيح مسارات داخلية، واستعادة الهيبة الأميركية في الخارج، عبر أدوات أمنية، اقتصادية، وتكنولوجية.
لكن النجاح في هذا المسعى يبقى مرهونًا بقدرة إدارته على تنفيذ هذه الرؤية دون الانزلاق نحو أزمات دستورية أو اقتصادية.