20 نوفمبر 2025
ليلى ناصر – وكالة أسنا للأخبار ASNA
في تطور لافت يعزز التحالف الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في واشنطن عن سلسلة من الاتفاقيات الكبرى التي تمتد من الذكاء الاصطناعي إلى التعاون العسكري والاستثمارات العابرة للقارات. الزيارة، التي حملت طابعًا رسميًا، كشفت عن مرحلة جديدة في الشراكة الثنائية، حيث رفعت السعودية حجم التزاماتها الاستثمارية في السوق الأمريكية إلى نحو تريليون دولار، مع تركيز خاص على التكنولوجيا المتقدمة والأمن الإقليمي.
الذكاء الاصطناعي: ركيزة لاقتصاد ما بعد النفط
تصدر الذكاء الاصطناعي محور المباحثات، إذ أعلنت واشنطن منح الرياض حق الوصول إلى أحدث الرقائق الأمريكية المتقدمة، بما يمهّد لإطلاق مشاريع ضخمة في البنى التحتية الرقمية ومراكز البيانات. وفي هذا السياق، وقعت شركة “هيوماين” السعودية، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، شراكات بمليارات الدولارات مع شركات أمريكية كبرى، بينها AMD، Nvidia، xAI، Adobe، Qualcomm وCisco.
وشملت أبرز الاتفاقيات:
- توريد مئات الآلاف من رقائق “بلاكويل” من شركة Nvidia خلال السنوات الخمس المقبلة، تبدأ بـ 18 ألف رقاقة لتشغيل أحد أكبر الحواسيب الفائقة في الشرق الأوسط.
- استثمار بقيمة 10 مليارات دولار من AMD لإنشاء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي بقدرة 500 ميغاواط.
- دعم سعودي لمشروع xAI الخاص بإيلون ماسك، عبر تمويل وبناء مراكز بيانات ضخمة.
وتأتي هذه الخطوات ضمن مذكرة تفاهم شاملة تضمن حماية التكنولوجيا الأمريكية ومنع انتقالها إلى دول منافسة، فيما تؤكد السعودية من جانبها التزامها بتعزيز اقتصاد تنوعي يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، مع استثمارات إضافية تبلغ 20 مليار دولار في قطاع الذكاء الاصطناعي الأمريكي.
تحالف عسكري متصاعد: شراكة تتجاوز الحدود التقليدية
شكل الجانب العسكري أحد أبرز محاور الزيارة، حيث أعلن الرئيس ترامب رسميًا منح السعودية صفة “حليف رئيسي من خارج الناتو”، وهو تصنيف استثنائي يتيح تسهيلات واسعة في مجالات التسليح والتدريب والدعم الأمني.
كما شملت الاتفاقيات الدفاعية:
- صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار تتضمن بيع مقاتلات F-35 للرياض لأول مرة خارج إسرائيل، إضافة إلى 300 دبابة وأنظمة دفاع جوي متقدمة.
- توقيع “اتفاقية الدفاع الاستراتيجي” التي تعزز وجود الشركات الدفاعية الأمريكية في المملكة وتمنح واشنطن تمويلًا مباشرًا من الحكومة السعودية لتغطية تكاليف العمليات المشتركة.
- استكمال تدريبات عسكرية موسعة تركز على الأمن البحري وتأمين الممرات الحيوية في المنطقة.
وتُعد هذه التطورات امتدادًا لمبيعات أسلحة أمريكية تجاوزت 34 مليار دولار للسعودية خلال الأعوام الثمانية الماضية، في إطار جهود مشتركة لتعزيز القدرات العسكرية وموازنة النفوذ الإقليمي.
الاستثمارات المتبادلة: اقتصاد يعيد رسم الخريطة
على المستوى الاقتصادي، أكد الأمير محمد بن سلمان رفع حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، تشمل قطاعات الطاقة، التكنولوجيا، والبنية التحتية. وفي المقابل، أعلنت واشنطن دعمها لمشروعات سعودية حيوية، مثل الطاقة النووية المدنية وإنشاء مراكز الذكاء الاصطناعي.
كما شهد منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الإعلان عن مشاريع بقيمة 600 مليار دولار، بينها 20 مليار دولار لبناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وبدء العمل على إطار تعاون نووي مدني.
تنسجم هذه الاستثمارات مع سياسة “أمريكا أولًا” التي تركز على خلق وظائف جديدة داخل الولايات المتحدة، وتعزيز الابتكار التقني عبر شراكات مع الاقتصادات الصاعدة.
آفاق مستقبلية وتحديات قائمة
رغم الزخم الكبير الذي حققته الزيارة، إلا أن الاتفاقيات تفتح الباب أمام عدد من التحديات المحتملة، أبرزها الانعكاسات الجيوسياسية على التوازن الإقليمي، خصوصًا في ظل الاحتمالات المتزايدة لانضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم، وتأثير ذلك على علاقاتها مع الصين.
كما قد تواجه الاتفاقيات الدفاعية بعض الاعتراضات داخل الكونغرس الأمريكي لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، إلا أن المؤشرات الحالية ترجّح تسريع خطوات التنفيذ نتيجة التوافق السياسي بين الرياض وواشنطن.
تشكل هذه التطورات نقلة نوعية في العلاقات الأمريكية السعودية، حيث تنتقل الشراكة من إطارها التقليدي القائم على الطاقة إلى تعاون متقدم في التكنولوجيا والدفاع والاستثمار. ومع ترجمة الاتفاقيات إلى مشاريع على الأرض، يُتوقع أن تسهم في رسم معالم تحالف جيوسياسي جديد قائم على الابتكار والأمن المشترك، مع فوائد اقتصادية هائلة لكلا البلدين.



