وكالة أسنا للأخبار – واشنطن
التردد بين الحرب والسلام
منذ تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، برز الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلاعبٍ محوري في تقرير مصير المواجهة المرتقبة. وعلى الرغم من لهجته الحادة المتكررة تجاه طهران، حرص ترامب على تأكيد تفضيله لـ”السلام والتفاوض” بدلاً من “الحرب والانفجار”. لكنه حتى الآن، ورغم حجم الضغوط الداخلية والخارجية، لم يحسم قراره بشنّ مواجهة شاملة ضد إيران.
ما الذي يمنع ترامب من اتخاذ هذا القرار؟ وهل الخيار العسكري ما زال مطروحًا على الطاولة؟ وما تداعيات سقوط النظام الإيراني على مستقبل المنطقة والعالم؟
أولاً: الخلفيات التي تمنع ترامب من اتخاذ قرار الحرب
- الحرص على الإرث السياسي والانتخابي
ترامب يدرك أن خوض حرب شاملة في الشرق الأوسط، خصوصًا ضد خصم كإيران، قد يغرق الولايات المتحدة في مستنقع جديد يهدد شعبيته قبيل أي استحقاق انتخابي مستقبلي أو يعيد إلى الأذهان أخطاء جورج بوش الابن في العراق. - طبيعة النظام الإيراني وشبكة نفوذه
إيران ليست دولة هامشية، بل تملك أذرعاً عسكرية واقتصادية وإيديولوجية تمتد إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، ما يجعل أي ضربة ضدها محفوفة بعواقب إقليمية ضخمة قد تفتح أبواب جبهات عديدة في آن واحد. - مخاوف من تكرار سيناريوهات العراق وأفغانستان وليبيا
إذا سقط النظام في طهران، فإن احتمالات ظهور تنظيمات متطرفة أو قوى فوضوية تشبه ما حدث في بغداد أو كابول ليست مستبعدة، وهو سيناريو لا تريده واشنطن ولا إسرائيل ولا حتى روسيا. - رسائل إيرانية مباشرة وغير مباشرة
- إيران أوضحت عبر دبلوماسيها عباس عراقجي أنها لن تعود للمفاوضات ما دامت إسرائيل تواصل ضرباتها.
- لكنها أبدت في المقابل استعداداً للمرونة في ملفها النووي إذا ما ضغطت واشنطن لإنهاء الحرب.
- هذا يُفهم كدعوة مباشرة لترامب للتدخل كوسيط قوي بدلاً من خصم عسكري.
- موقف الحلفاء – خصوصًا روسيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرسل إشارات واضحة إلى واشنطن وتل أبيب:- “المجتمع الإيراني موحّد حول قيادته السياسية” – أي أن الضربة لن تُفكّك النظام بسهولة.
- “ضمان مصالح إيران وإسرائيل يجب أن يتم بشكل متوازن”.
- روسيا لا تريد حرباً تُهدد منشآتها النووية في بوشهر ولا استقرار حليفتها الإقليمية.
ثانياً: ترامب بين التصعيد والفرصة الأخيرة
تصريحات ترامب الأخيرة تعكس توازناً دقيقاً:
“بناءً على حقيقة أن هناك فرصة كبيرة لمفاوضات، فسوف أتخذ قراري خلال الأسبوعين المقبلين”.
الرسالة واضحة: ترامب يُلوّح بالحرب لكنه يراهن على آخر محاولة للتفاوض، وربما يسعى لترتيب مشهد “اتفاق نووي جديد” يُسجل باسمه على غرار ما فعله مع كوريا الشمالية.
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة في حال سقوط النظام الإيراني
- تفكك داخلي واحتمال تقسيم إيران
إيران دولة متعددة الأعراق والطوائف (فرس، عرب، أكراد، بلوش، آذريين…)، ومع غياب دولة مركزية قوية، قد تنشأ حركات انفصالية أو إدارات حكم ذاتي، ما يُحوّل إيران إلى دولة شبيهة بليبيا ما بعد القذافي. - نشوء أنظمة متطرفة
كما حدث في العراق بعد 2003، قد تملأ الفراغ جماعات دينية متشددة أو قومية متطرفة، ما يهدد أمن المنطقة بالكامل. - تأثير اقتصادي عالمي واسع
- إيران أحد كبار منتجي النفط والغاز في العالم.
- انهيارها سيؤدي إلى اضطرابات ضخمة في الأسواق، خاصة للدول الآسيوية التي تعتمد على نفط الخليج.
- خسارة الجغرافيا السياسية
قد تُتيح الفوضى في إيران الفرصة لقوى إقليمية كتركيا أو باكستان أو حتى طالبان للتدخل وفرض وقائع جديدة، ما يُهدد أمن الخليج وإسرائيل في آن معاً.
رابعاً: موقف المؤسسة الأميركية العميقة
تصريحات رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عبر “فوكس نيوز” تُعطي إشارات قوية:
- “لا أعتقد أن الرئيس سيسمح للمرشد الإيراني باستغلاله”
- “الانخراط العسكري في إيران ليس خالياً من المخاطر”
- “الرئيس يدرك حجم التهديد لكن يسعى لحل سياسي”
ما يعني أن واشنطن الرسمية تدفع نحو تسوية لا استنزاف.
ترامب وتوازن الحافة
دونالد ترامب يقف على الحافة، يُمسك بعصا العقوبات والتصعيد بيد، ويفتح باب المفاوضات باليد الأخرى.
إنه يسعى لأن يكون صانع “صفقة كبرى” لا قائد مغامرة عسكرية باهظة.
لكن في الشرق الأوسط، لا ضمانات… فصاروخ خاطئ، أو اغتيال، أو تصعيد في غزة أو لبنان، قد يُسقط هذا التوازن في لحظة.
القرار لم يُحسم… لكن الأيام المقبلة ستقرّر: حرب كبرى أم صفقة تاريخية؟