يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة أوروبا الأسبوع المقبل للاجتماع مع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعقد قمة استثنائية لمناقشة الجهود المشتركة لوقف الحرب ضد أوكرانيا وطمأنة الحلفاء والدول المجاورة لأوكرانيا التي يفر إليها الأوكرانيون. وتشير مصادر البيت الأبيض إلى أن محطته الأولى ستكون بروكسل، حيث يقع المقر الرئيسي لحلف الناتو، وبعدها سيقوم بايدن بزيارة بولندا والاجتماع مع الرئيس أندريه دودا مع احتمالات زيارة دول أخرى مجاورة. وإذا قام الرئيس بايدن بهذه الرحلة، فإنها ستكون واحدة من أهم الزيارات التي يقوم بها أي رئيس أميركي إلى أوروبا منذ عقود، حيث تأتي في خضم حرب تستعر خطورتها يوما بعد يوم.

وقالت جين بساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض مساء الاثنين «ليس لدينا أي قرار نهائي بشأن الرحلة، لكننا منخرطون بشكل وثيق مع شركائنا في الناتو والحلفاء الأوروبيين، حول الخطوات التالية في الدبلوماسية، سواء كان ذلك توفير مساعدة إنسانية أو أمنية إضافية أو آليات المحادثات المستقبلية».

وتخطط الإدارة الأميركية مناقشة تعزيز الدفاعات لحلف الناتو في أوروبا الشرقية وأي تهديدات تتعلق بهجمات بأسلحة كيماوية أو أخطاء ناتجة عن سوء تقدير قد تؤدي إلى اندلاع أي احتكاكات خارج الحدود الأوكرانية. وقد أثار الهجوم الصاروخي الروسي على بعد 15 ميلا من الحدود البولندية قلقا كبيرا لدي البولنديين وحلف الناتو حول مخاطر امتداد الحرب إلى بولندا.

وقد دفعت حرب في أوكرانيا إلى إعادة التفكير في الاحتياجات الدفاعية الإقليمية ليس فقط من قبل واشنطن، ولكن أيضًا من قبل بعض الحلفاء الأوروبيين. وإذا سيطرت روسيا على أوكرانيا بأكملها، فستكون على حدود دول أخرى في الناتو، بما في ذلك رومانيا وسلوفاكيا والمجر. وتشترك بولندا وليتوانيا في حدود برية مع كالينينغراد الروسية، مقر أسطول البلطيق التابع للبحرية الروسية. هناك قلق من أن بوتين قد يقرر القيام بالسيطرة على ذلك الممر البري الذي يبلغ طوله 60 ميلاً، الذي يربط كالينينغراد ببيلاروسيا. ويقول المحللون إن حرب بوتين في أوكرانيا قد تؤدي إلى قلب النظام الأمني الأوسع نطاقا في أوروبا وإلى تحول تاريخي في التفكير الأميركي بشأن أنظمة الدفاع عن القارة، ويعتمد الأمر على المدى الذي يمكن أن يذهب إليه بوتين في هذه الحرب. وقد يعني ذلك زيادة القوة العسكرية الأميركية في أوروبا بشكل لم يكن له مثيل منذ الحرب الباردة.

– زيارات أميركية متعددة

وتأتي هذه الزيارة المتوقعة للرئيس الأميركي بعد زيارات مسؤولين كبار إلى أوروبا بما في ذلك، كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، وشملت الزيارات بولندا على وجه الخصوص. وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس البولندي أندريه دودا، قالت هاريس «إن الولايات المتحدة وبولندا متحدتان في كل ما فعلناه ومستعدتان لفعله لمساعدة أوكرانيا والشعب الأوكراني».

وقد بدأ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن رحلته الأوروبية مساء أمس الثلاثاء في ثاني جولاته الأوربية لعقد مشاورات مع الحلفاء في بروكسل، وتشمل أجندته زيارة سلوفاكيا وبلغاريا المجاورتين لأوكرانيا وهما دولتان أعضاء بحلف الناتو. وقد زار أوستن الشهر الماضي كلا من بولندا وليتوانيا.

وخلال الشهرين الماضيين فقط، قفز الوجود الأمريكي في أوروبا من حوالي 80 ألف جندي إلى حوالي 100 ألف، وهو عدد يقارب العدد الذي كان موجودًا في عام 1997 عندما بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو توسيع التحالف الذي يقول بوتين إنه يهدد روسيا ويجب وقفه.

على سبيل المقارنة، تشير بيانات البنتاغون إلى أنه في عام 1991، وهو العام الذي تم فيه حل الاتحاد السوفيتي، كان للولايات المتحدة 305 آلاف جندي في أوروبا، بما في ذلك 224 ألف جندي أميركي في ألمانيا وحدها، ثم انخفض العدد بشكل مطرد، حيث وصل إلى 101 ألف جندي في عام 2005 ونحو 64 ألف جندي في عام 2020.

وقال القادة العسكريون إن إرسال القوات الأميركية إلى أوروبا هو وضع مؤقت، لكن ليس هناك ما يشير إلى متى ستبقى هذه القوات الأميركية وهي تشمل لواء مدرعا من فرقة المشاة الأولى، يبلغ مجموعها أربعة آلاف جندي، تم إرسالها إلى ألمانيا، ولواء مشاة مماثل الحجم من الفرقة 82 المحمولة جواً، إلى بولندا. كما تم إرسال العديد من وحدات قيادة الجيش إلى بولندا وألمانيا. كما أرسل أوستن طائرات مقاتلة من طراز F-35A إلى الجناح الشرقي لحلف الناتو وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي إلى دول البلطيق.

وفي محادثاته المتواصلة مع الرئيس بايدن حث الرئيس الأوكراني زيلينسكي على فرض مزيد من العقوبات لزيادة الضغط على روسيا وطلب زيلينسكي من بايدن تكثيف الجهود لقطع روسيا عن التجارة الدولية ومواصلة استهداف النخبة الروسية.

وقد دعا بايدن يوم الجمعة إلى تعليق العلاقات التجارية الطبيعية مع روسيا حيث تتطلع الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تصعيد الضغط الاقتصادي على روسيا رداً على شن الدولة هجوماً غير مبرر على أوكرانيا. وقال بايدن إن قادة مجموعة السبع سيسعون أيضًا إلى حرمان روسيا من القدرة على الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

– الصين وانحيازها إلى روسيا

وتشكل الصين معضلة في سياسات إدارة بايدن لفرض عزلة دولية على روسيا وقطع سبل حصولها على مساعدة سواء مساندة دبلوماسية أو مالية أو عسكرية. وتسعى إدارة بايدن إلى إقناع بكين باستخدام نفوذها في موسكو للمساعدة في إنهاء الغزو. وقد التقى جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لبايدن مع نظيره الصيني يانغ جيتشي في روما جزئيًا لمناقشة حرب أوكرانيا. بعد انتهاء المحادثات في روما، أصدر البيت الأبيض بيانًا قصيرًا، قال فيه إن سوليفان أثار «مجموعة من القضايا في العلاقات الأميركية الصينية، مع مناقشة جوهرية للحرب الروسية ضد أوكرانيا».

وقالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض إن سوليفان «كان مباشرا» بشأن «مخاوف واشنطن العميقة بشأن اصطفاف الصين مع روسيا» و«الآثار والعواقب المحتملة لبعض الإجراءات». ولم تتطرق ساكي إلى التفاصيل لكنها أشارت إلى «عواقب وخيمة إذا قدمت بكين مساعدة عسكرية أو غيرها من المساعدات، وهو ما ينتهك بالطبع العقوبات أو يساعد المجهود الحربي». وتعد الصين أهم حليف لروسيا، لكنها تحاول الحفاظ على موقف محايد في الحرب الأوكرانية. وفي مؤتمر تليفوني مع الصحفيين مساء الاثنين قال مسؤول كبير في الإدارة الاميركية «لدينا مخاوف عميقة بشأن انحياز الصين لروسيا في هذا الوقت، وقد تحدث مستشار الأمن القومي مباشرة بشأن تلك المخاوف والآثار والعواقب المحتملة لأفعال معينة». وأضاف المسؤول أن سوليفان وصف ليانغ «وحدة الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، في تحميل روسيا تكلفة أفعالها». ووصف المسؤول الاجتماع بأنه «مكثف» يعكس «خطورة اللحظة» وأوضح أن الاجتماع استمر سبع ساعات وعكس الالتزام الأميركي بالحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة.

وعلى الرغم من أن الاجتماع كان مخططًا له منذ فترة طويلة، فإنه لم يتم توقيته وفقًا للأحداث في أوكرانيا وغطى قضايا أخرى بما في ذلك كوريا الشمالية وتايوان والعلاقات الثنائية المتوترة. وقال المسؤول إن التبادلات كانت «صريحة» لكنها لم تسفر عن نتائج محددة. وكان هذا أول لقاء لسوليفان مع يانغ منذ جلسات مغلقة في زيورخ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بهدف تهدئة التوترات بعد تبادل التوترات بشكل حاد بين الرجلين في ألاسكا في أخر اجتماع بينهما.

في الجانب الآخر، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان يوم الثلاثاء إلى أن موقف الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا «محايد وبناء» متهما الولايات المتحدة بأنها كانت «غير أخلاقية وغير مسؤولة» من خلال نشر معلومات مضللة. واتهم ليجان الولايات المتحدة بنشر معلومات مضللة بشأن تقارير عن موافقة بكين على طلب روسي للإمدادات العسكرية. وقال ليجان أيضًا إن الولايات المتحدة لعبت دورًا رئيسيًا في تطور الأزمة، في إشارة إلى توسع الناتو. وتحدث ليجان في مؤتمر صحفي بعد يوم من لقاء يانغ جيتشي مع سوليفان. ودعا يانغ المجتمع الدولي إلى دعم محادثات السلام وأن «الصين تؤيد دائما احترام سيادة ووحدة أراضي جميع الدول». قال رايان هاس من معهد بروكينغز إن الدعم الصيني لروسيا «سيضيق إلى حد كبير طريقها للحفاظ على العلاقات غير العدائية مع الولايات المتحدة والغرب» ولن يغير على الأرجح مسار الصراع. وقال مسؤولون أمريكيون لشبكة إن بي سي نيوز يوم الأحد إن روسيا طلبت من الصين معدات عسكرية بعد غزوها. ونفت روسيا طلب المساعدة العسكرية من الصين وقالت إن لديها نفوذًا عسكريًا كافياً لتحقيق جميع أهدافها في أوكرانيا.

وتعد الصين هي أكبر مصدر في العالم، وأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وأكبر مورد أجنبي للبضائع إلى الولايات المتحدة. قد يكون لأي ضغط على التجارة الصينية آثار اقتصادية على الولايات المتحدة وحلفائها. وشهدت العلاقات الصينية الأميركية، التي وصلت بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، مزيدًا من الانهيار الشهر الماضي عندما أعلن الزعيمان الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شراكة استراتيجية «بلا حدود» قبل أسابيع فقط من الغزو الأوكراني. ورفضت الصين وصف تصرفات موسكو بأنها غزو، رغم أنها أعربت عن قلقها بشأن الوضع الإنساني وحثت جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس.

Join Whatsapp