الولايات المتحدة لم تعد وجهة مضمونة للكنديين: مخاوف متزايدة من التضييق الأمني وتراجع كبير في السفر

تشهد العلاقات بين الكنديين والولايات المتحدة توتراً غير مسبوق على المستوى الشعبي، مع تزايد المخاوف من التضييقات الأمنية على الحدود الأميركية. فقد ألغى عدد متزايد من الكنديين، بينهم أكاديميون بارزون، رحلاتهم إلى الولايات المتحدة، في ظل ما يعتبرونه بيئة غير مرحّبة وغير آمنة للمسافرين، خصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى خلفيات ثقافية أو سياسية “محفوفة بالحساسية” من وجهة النظر الأمنية الأميركية.

أكاديميون يقاطعون المؤتمرات الأميركية

من أبرز الحالات التي سلطت الضوء على هذه الظاهرة، إلغاء أستاذ العلوم السياسية بجامعة مكغيل، آرش أبيزاده، مشاركته في مؤتمر أكاديمي بولاية نورث كارولاينا. وأشار أبيزاده إلى أن “عدم اليقين والخوف من الاستهداف بسبب الخلفيات العرقية أو الآراء السياسية، يجعلان السفر إلى الولايات المتحدة أمراً غير مضمون”، وهو ما يعكس قلقاً حقيقياً يعيشه كثير من الأكاديميين والمثقفين الكنديين.

تراجع حاد في عدد الرحلات إلى الولايات المتحدة

تشير البيانات الحكومية إلى تراجع واضح في السفر من كندا إلى الولايات المتحدة خلال مارس الماضي؛ بنسبة 13.5% في الرحلات الجوية و32% في الرحلات البرية. ويُعزى هذا الانخفاض إلى مجموعة من العوامل، من بينها:

  • تدهور قيمة الدولار الكندي، ما يجعل السفر إلى الولايات المتحدة مكلفًا للكنديين.
  • تداعيات الحرب التجارية بين البلدين، والتي ألقت بظلالها على الثقة الاقتصادية المتبادلة.
  • تصاعد الإجراءات الأمنية الأميركية، خصوصاً في ظل سياسة التفتيش العشوائي والاستجوابات التي تستهدف الهواتف الشخصية ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي للمسافرين.

حوادث احتجاز واستهداف أثارت الغضب

من الحوادث التي غذّت هذه المخاوف، احتجاز الممثلة الكندية ياسمين موني لمدة 11 يوماً في أحد مراكز الاحتجاز الأميركية، وهي واقعة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والشعبية بكندا. كما تحدث العديد من المسافرين الكنديين عن خضوعهم لتفتيش غير مبرر لهواتفهم واستجوابات مطوّلة بسبب أصولهم العرقية أو منشوراتهم على الإنترنت.

رد فعل رسمي كندي وتحذيرات للمواطنين

على خلفية هذه التطورات، قامت الحكومة الكندية بتحديث إرشادات السفر إلى الولايات المتحدة، داعيةً مواطنيها إلى “توقّع تدقيق أمني مشدد”. وتزايدت التحذيرات، خاصة ضمن أوساط الكنديين من أصول إيرانية، الذين عبّروا عن شعور متزايد بـ”اللا ترحيب” في أميركا.

العلاقة بين الشعبين: توتر يتجاوز السياسة

لطالما تمتّعت كندا والولايات المتحدة بعلاقة مميزة على مستوى الشعوب، حيث تشكل الحركة بين البلدين عنصراً أساسياً في حياة الكثير من الأسر، والعلاقات الأكاديمية والثقافية. ومع ذلك، فإن التوترات السياسية الحالية، خاصة ما يتعلق بالأمن والهجرة، بدأت تنعكس بوضوح على سلوك الأفراد وقراراتهم.

في استطلاعات حديثة، أعرب العديد من الأميركيين والكنديين عن رغبتهم في الحفاظ على “حدود مفتوحة”، لكن مع تزايد التحديات الأمنية والضغوط السياسية، يتغير المزاج العام تدريجياً. البعض يرى أن الإجراءات الأميركية مبررة لحماية الأمن القومي، في حين يعتبرها آخرون تمييزاً مقنعاً يُقوّض الحريات ويضرب الثقة المتبادلة.

نحو مستقبل أكثر حذراً

مع استمرار هذه الأجواء المشحونة، يُتوقع أن يستمر الكنديون في إعادة النظر في قرارات السفر إلى الولايات المتحدة، خاصة مع استمرار تشديد السياسات الأميركية في ظل إدارة ترمب. وبينما قد تُسهم المبادرات الدبلوماسية في تهدئة الأوضاع مستقبلاً، فإن الثقة المفقودة قد تحتاج وقتاً أطول لاستعادتها.

Join Whatsapp