حماس تقبل بـ«العناوين الرئيسة» لخطة ترمب — لماذا تحولت لهجتها؟ وما الذي تعنيه لواشنطن وتل أبيب والمنطقة؟
ماذا قالت حماس فعلاً وما هي حدود الموافقة؟
بيان الحركة والحديث العلني لممثليها ركّزا على نقطتين عمليتين: (1) الموافقة المبدئية على بنود تهدف إلى وقف الحرب وإجراء تبادلات أسرى وفق الصيغة المقترحة، و(2) تأكيد أن القضايا الكبرى المتعلقة بمستقبل غزة وإدارتها يجب أن تُناقش في إطار وطني فلسطيني جامع، مع مشاركة حماس في هذا الإطار وليس الانفراد بالقرار. القيادي موسى أبو مرزوق أوضح أن الحركة قبلت «بعناوينها الرئيسة» لكن التطبيق يحتاج إلى تفاوض وتفصيل، وأن مواعيد تنفيذ فورية مثل «72 ساعة» غير واقعية بالظرف الحالي.
لماذا غيّرت حماس لهجتها الآن؟
- أولوية إنسانية وسياسية على وقع مآسي متواصلة — القتل والدمار المدني والضغط المتنامي من أسرى ومؤسسات المجتمع المدني والعائلات دفعوا الحركة إلى إعطاء أولوية لوقف النار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة رهائن ومدنيين. هذا لا يعني تنازلاً أيديولوجيًا بل إعادة ترتيب أولويات تكتيكية.
- تكاليف عسكرية وسياسية داخلية — أي فصيل مسلّح يعمل في سياق حصار وضربات طويلة الأمد يواجه مسألة توازن بين الاستمرار في المواجهة وأثر ذلك على قاعدة الدعم الشعبية، خصوصًا في حال تزايد الضغوط الاجتماعية والإنسانية داخل القطاع.
- تأثير الوساطة الإقليمية — جهود دول مثل قطر ومصر ووساطات إسلامية وعربية أثّرت على حسابات الحركة، وقدمت آليات لإقناعها بأن موافقتها المبدئية قد تُترجم إلى ضمانات ميدانية وخيارات سياسية لاحقة. دور هذه الوسطاء واضح في دفع الإطار التفاوضي.
- حسابات عملية حول الرهائن — ملف الرهائن يظل سلاحًا سياسيًا ومحورًا إنسانيًا؛ أي تقدم في هذا الملف يمنح حماس رصيدًا سياسيًا داخليًا وإقليميًا ويخفف عبء الاتهام الأخلاقي أمام قواعدها. التقارب حول تبادل أسرى هو ساحة تفاوض يمكن أن تفوز فيها الحركة بقدر من المكاسب المعنوية والسياسية.
ماذا يريد ترمب؟ قراءة في دوافع واشنطن والبعد السياسي
ردّ الرئيس ترمب كان فوريًا وتصاعديًّا: أعاد نشر بيان حركة حماس وناشد إسرائيل وقف القصف فورًا لتسهيل إخراج الرهائن، ووصف الخطوة بأنها فرصة «لامسبوقة» للسلام. هذا التفاعل يخدم هدفين متوازيين: إظهار قدرة أميركا وقيادتها على الوساطة وتحقيق نتيجة إنسانية قابلة للعرض الإعلامي، وفي الوقت ذاته تسجيل إنجاز سياسي يروق داخل الدوائر المحلية والدولية. نشر البيت الأبيض/حساب الرئيس للبيان عزّز من صورة الوساطة الأميركية كقوة ضاغطة ووسيط فعّال.
ردود الفعل الإقليمية والدولية: تناغم ظاهري واختلاف في التفاصيل
- دور قطر ومصر: كانت قطر سريعة في الترحيب وأكدت البدء بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة لاستكمال النقاشات مما يعكس استمرار دور الدوحة كوسيطٍ عملي، ومساهمة مصر بدورها التقليدي في مسارات التفاوض.
- الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي: الأمين العام والدول الأوروبية رحبوا بفرصة وقف فوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات، وطالبوا بـ«اغتنام اللحظة» لمنع تداعيات إنسانية أكبر.
- الموقف الإسرائيلي: التسريبات أوضحت أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فوجئ برد ترمب وطلب التنسيق مع واشنطن لتفادي انطباع إيجابي عام لحماس قبل ضمانات إسرائيلية واضحة؛ أما زعيم المعارضة فأعلنت دعمه للانضمام للمفاوضات التي يقودها ترمب. هذا الانقسام السياسي والبيروقراطي في إسرائيل ينعكس كعامل رئيسي قد يسرّع أو يعرقل التنفيذ.
عقبات تنفيذية وأسباب احتمال فشل الصفقة إن لم تُعالج سريعًا
- قضية نزع السلاح والمرجعية الأمنية: من يضمن فعليًا جمع السلاح؟ حماس تحدثت عن تسليم السلاح للدولة الفلسطينية المستقبلية شرط أن يكون من يحكم غزة «بيده السلاح» — جملة تفتح بابًا كبيرًا للتأويل وتطرح سؤال الثقة.
- آليات التحقق والضمانات: أي وقف نار أو تبادل أسرى يحتاج آليات مراقبة وتحقق ميدانية (قوات حفظ سلام؟ قوات دولية؟ ممثلون عرب؟)، وهذه المسائل التقنية تحتاج تفاهمات مطوّلة. أبو مرزوق حذّر من تطبيق بنود زمنية صارمة دون تفاهمات.
- الشرعية الفلسطينية والمرجعية: حماس ربطت مستقبل القطاع بموقف وطني فلسطيني جامع؛ أي أن أي ترتيب لا يشمل السلطة أو مرجعيات فلسطينية أخرى قد يواجه معارضة شرعية داخلية.
- المخاوف الإسرائيلية الأمنية والسياسية: غياب موافقة إسرائيل الكاملة أو تراجعها في منتصف الطريق سيؤدي سريعًا إلى انهيار المسار، لا سيما مع وجود عناصر داخل الأجهزة الأمنية والسياسة الإسرائيلية تعتبر أي تنازل مخاطرة.
سيناريوهات محتملة للمرحلة القادمة
- السيناريو الإيجابي: تفاهمات عملية خلال أسابيع حول آليات تبادل مرحلية للأسرى مع وقف إطلاق نار تدريجي، إشراف وساطة عربية–أميركية، وبدء ترتيبات مؤقتة لإدارة مدنية في غزة بمشاركة الفصائل والسلطة.
- السيناريو الوسيط: تقدم بطيء ومقطّع؛ تبادل أثرياء (أسرى) محدود يتبعه تجميد طويل للمفاوضات بسبب خلافات حول السلاح والآليات الدولية، مما يترك مساحات لغليان محلي وامتداد الأزمة الإنسانية.
- السيناريو السلبي: فشل في تحويل الموافقة المبدئية إلى اتفاق بسبب رفض إسرائيلي أو دوافع داخلية فلسطينية، ما يعيد المواجهة أو يطيل حالة اللااستقرار بشرٍ يزيد من معاناة المدنيين.
فرصة حقيقية للسلام — لكنها مشروطة بالمصداقية والآليات
موافقة حماس المبدئية على «عناوين» خطة ترمب تفتح نافذة تاريخية لإجراءات إنسانية وسياسية محتملة، لكن القيمة الحقيقية لهذا التطور لا تقاس بالتصريحات وحدها؛ بل بمدى قدرة الوسطاء على ترجمةها إلى ترتيبات قابلة للتطبيق، وبمدى التزام اللاعبين الرئيسيين — خصوصًا إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية الوسيطة — بضمانات فنية وسياسية تمكّن من تنفيذ بنود التبادل ووقف النار والتحول إلى عملية سياسية أوسع. في الأفق القريب، يبقى ملف الرهائن ومصداقية الضمانات محورين سيحددان مصير هذه المبادرة.