مواقف عربية ودولية: توازن دقيق بين الانفتاح والحذر
في سياق زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس، تبرز مواقف عدد من الدول العربية والدولية التي تساعد في فهم المناخ العام الذي يرافق هذا التحول الدبلوماسي، وتكشف عن حدود وإمكانات التقارب مع دمشق.
الموقف العربي: إعادة تطبيع مشروطة
منذ عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، أظهرت العديد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات ومصر والجزائر، ميلاً نحو إعادة العلاقات مع دمشق، مدفوعة بأولويات الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب. غير أن هذا الانفتاح ظل مشروطاً بإصلاحات داخلية، وبتقليص النفوذ الإيراني. وقد رحبت عواصم عربية بزيارة الشرع إلى باريس واعتبرتها فرصة لإعادة إدماج سوريا في النظام الإقليمي والدولي، إذا ما أثبتت دمشق التزامها بمسار سياسي جدي.
في المقابل، لا تزال بعض الدول – مثل قطر والسعودية – أكثر تحفظاً، رغم مشاركتها في الاجتماعات العربية المشتركة مع سوريا. هذه العواصم تنتظر مؤشرات أوضح من النظام السوري في ملفي العدالة الانتقالية والحد من التأثير الإيراني.
الولايات المتحدة: انفتاح حذر ومراقبة مشددة
الولايات المتحدة لم تُصدر موقفاً علنياً حاداً تجاه لقاء الشرع-ماكرون، ما يشير إلى أن واشنطن ربما تُبقي الباب موارباً لأي انفتاح أوروبي على دمشق، طالما أنه لا يتعارض مع عقوبات “قانون قيصر” أو يتجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية في ملفات مثل حقوق الإنسان، ومصير قسد، والوجود الإيراني. ووفق مصادر دبلوماسية، فإن واشنطن تتابع التقارب الفرنسي-السوري باهتمام، دون أن تمنحه ضوءاً أخضر كاملاً.
روسيا وإيران: بين الترحيب والحذر
روسيا رحبت – ضمنياً – بهذه الزيارة، لأنها تخدم سرديتها القائلة إن دمشق باتت شريكاً شرعياً في الساحة الدولية. أما إيران، الحليف العسكري والسياسي الأبرز لدمشق، فقد تتعامل مع هذا التطور بحذر، خوفاً من أن يؤدي انفتاح غربي – أو عربي – على سوريا إلى تهميش دورها في مستقبل البلاد، خاصة في ملفات الأمن وإعادة الإعمار.
زيارة الرئيس الشرع إلى باريس تعيد سوريا إلى الواجهة الدولية، وتكشف عن شبكة مصالح متشابكة بين قوى إقليمية ودولية، تسعى كل منها للتأثير في مسار التعافي السوري. لكن النجاح في تحويل هذه اللحظة الدبلوماسية إلى مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، سيعتمد على قدرة دمشق على المناورة، والاستجابة لتطلعات الداخل والخارج في آن معاً.