موقع نيفادا للتجارب النووية (Nevada Test Site) عام 1951

تاريخ البرنامج النووي الأميركي وتجارب نيفادا النووية قرب لاس فيغاس

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة عصراً جديداً من القوة والتفوق العسكري مع تطويرها للسلاح النووي، لتصبح بذلك الدولة الأولى في العالم التي تمتلك هذا النوع من الأسلحة. هذا التفوق النووي لم يأتِ بمحض الصدفة، بل نتيجة مشروع علمي وعسكري ضخم سُمّي “مشروع مانهاتن”، الذي انطلق سراً في أوائل الأربعينيات، وبلغ ذروته عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام 1945، منهية بذلك الحرب العالمية الثانية، ومعلنة بداية سباق التسلّح النووي العالمي.

تطور البرنامج النووي الأميركي:

مع نهاية الحرب، لم تُبطئ الولايات المتحدة خطواتها النووية، بل قامت بتكثيف أبحاثها وتجاربها، وأطلقت برامج جديدة لتطوير الأسلحة النووية والتأكد من فعاليتها في مختلف البيئات. وكانت سنوات الخمسينيات تحديدًا فترة حاسمة في هذا المسار.

موقع نيفادا للتجارب النووية:

أُنشئ موقع نيفادا للتجارب النووية (Nevada Test Site) عام 1951، على بعد حوالي 105 كيلومترات شمال غرب مدينة لاس فيغاس، في منطقة صحراوية تُعرف بصحراء نيفادا. تم اختيار الموقع بعناية نظرًا لعزلته الجغرافية وانخفاض الكثافة السكانية حوله، إلا أن قربه من مدينة لاس فيغاس أثار جدلاً لاحقًا بسبب التأثيرات البيئية والإشعاعية.

تجربة Sedan – 1962:

واحدة من أبرز التجارب التي أُجريت في موقع نيفادا كانت تجربة Sedan، والتي نُفّذت بتاريخ 6 يوليو 1962، كجزء من برنامج يُعرف بـ”عملية بلوش شوت” (Operation Plowshare)، وكان الهدف منه دراسة إمكانية استخدام الانفجارات النووية لأغراض مدنية مثل حفر القنوات والأنفاق واستخراج المعادن.

  • تم تفجير قنبلة نووية بقوة 104 كيلوطن (أي أكثر من خمسة أضعاف قوة قنبلة هيروشيما) تحت الأرض.
  • أدى الانفجار إلى رفع 12 مليون طن من التربة في الهواء، وخلق حفرة عملاقة بقطر يقارب 390 مترًا وعمق 100 متر، وهي لا تزال موجودة حتى اليوم ويمكن رؤيتها من الأقمار الصناعية.
  • هذه التجربة تسببت في أكبر انتشار إشعاعي ناتج عن تجربة نووية داخل الأراضي الأميركية، حيث وصلت سحب الإشعاع إلى عدة ولايات وأثرت على السكان المحليين ومناخ المنطقة.

الأثر على منطقة لاس فيغاس:

في خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت لاس فيغاس أقرب مدينة حضرية لموقع التفجيرات، وتحوّلت بشكل مثير للجدل إلى نقطة جذب سياحي للزوار الذين كانوا يتجمعون على أسطح الفنادق لمشاهدة أعمدة الدخان النووي ترتفع في الأفق. هذه الظاهرة أصبحت تُعرف بـ”سياحة التفجيرات النووية”، وساهمت في تشكيل ثقافة غريبة حول الطاقة النووية آنذاك.

لكن ومع مرور الوقت، بدأت تظهر تأثيرات صحية خطيرة على السكان والعاملين في الموقع، من ضمنها ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، ما دفع إلى تصاعد الأصوات المعارضة لهذه التجارب في السبعينات والثمانينات.

مثّل البرنامج النووي الأميركي رمزًا للقوة والتفوق خلال الحرب الباردة، لكنه أيضًا فتح بابًا واسعًا للجدل الأخلاقي والبيئي. تجربة Sedan وتجارب نيفادا بشكل عام تبقى شاهدًا على مرحلة كانت فيها الولايات المتحدة مستعدة لاختبار حدود التكنولوجيا، حتى ولو على حساب البيئة أو حياة البشر.

ورغم توقّف الولايات المتحدة عن إجراء تجارب نووية فعلية منذ عام 1992، إلا أن إرث تلك الحقبة ما زال حاضرًا في السياسة العسكرية الأميركية، وفي الوعي الجمعي للأميركيين، وخاصة سكان الغرب القريب من مواقع التفجير كمدينة لاس فيغاس.

Join Whatsapp