كيف رُسمت خرائط وحدود الدول العربية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية؟

وكالة ASNA – تقرير خاص

كيف رُسمت خرائط وحدود الدول العربية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية

قسم الدراسات التاريخية في ASNA

بعد أن استمرّت أكثر من أربعة قرون، انهارت الإمبراطورية العثمانية رسميًا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ العربي، اتسمت بإعادة رسم الخرائط وتقسيم الأراضي، على أُسس لم تكن محلية، بل استعمارية – سياسية بامتياز.

اتفاقية سايكس – بيكو: الخطوة الأولى نحو التقسيم

في عام 1916، وقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقًا سريًا عُرف باتفاقية سايكس – بيكو، وضع خريطة أولية لتقاسم النفوذ في المشرق العربي. بموجب الاتفاقية:

  • حصلت فرنسا على سوريا ولبنان وشمال العراق.
  • نالت بريطانيا فلسطين وشرق الأردن والعراق.
  • خُصّصت القدس لمنطقة دولية بسبب أهميتها الدينية.

لم يُستشر العرب في هذه الاتفاقية، رغم وعود البريطانيين للعرب بالاستقلال مقابل دعمهم في الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين.

وعد بلفور: تغيير وجه فلسطين

عام 1917، صدر وعد بلفور، الذي أعربت فيه الحكومة البريطانية عن دعمها لإنشاء “وطن قومي لليهود” في فلسطين، وهو ما شكّل مسارًا خطيرًا لتغيير الطبيعة الديموغرافية والسياسية للمنطقة لاحقًا، وأسس لنزاع مستمر حتى اليوم.

من ولايات عثمانية إلى دول عربية

مع انتهاء الحرب، خضعت معظم الأراضي العربية لنظام الانتداب الذي أقرّته عصبة الأمم:

  • سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
  • العراق، الأردن، فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

بدأت الدول المنتدبة في رسم حدود جديدة للمنطقة، كثير منها لا يمتُّ بصلة للتاريخ أو الجغرافيا أو الروابط القبلية والدينية بين الشعوب.

رسم الحدود: خطوط على الرمال

رُسمت الحدود بين الدول العربية الجديدة بقلم دبلوماسيّ على خرائط استعمارية. أبرز الأمثلة:

  • تقسيم بلاد الشام إلى أربع وحدات: سوريا، لبنان، فلسطين، وشرق الأردن.
  • ضمّ الموصل إلى العراق بدلاً من سوريا، لأسباب اقتصادية وجغرافية (النفط).
  • إقامة دول الخليج كمشيخات منفصلة: مثل الكويت، البحرين، قطر، وصولًا إلى قيام السعودية عام 1932 بعد توحيد نجد والحجاز.

ولم تُراع هذه التقسيمات العوامل السكانية أو العشائرية أو الطائفية، مما تسبب في نزاعات مزمنة لاحقة (مثل النزاع على الحدود بين العراق والكويت، أو القضية الفلسطينية).

من سيفر إلى لوزان: انهيار الإمبراطورية رسميًا

وقّعت القوى الكبرى معاهدة سيفر عام 1920 لتفكيك الإمبراطورية العثمانية رسميًا، لكن تركيا الكمالية (بقيادة مصطفى كمال أتاتورك) رفضتها، وقادت حرب استقلال أسفرت عن توقيع معاهدة لوزان عام 1923، والتي أرست حدود تركيا الحديثة، وأقرت بالمناطق العربية كأراضٍ خارجة عن الدولة التركية الجديدة.

إرث التقسيم: هل ما زلنا نعيش تبعاته؟

حتى اليوم، تُعدّ الحدود السياسية التي رُسمت بعد سقوط الدولة العثمانية هي ذاتها المعتمدة، رغم كل ما شهدته المنطقة من حروب وثورات. وظلّ النزاع السياسي والهوية القومية والانقسام الطائفي من نتائج ذلك التقسيم.

لم يكن رسم خرائط العالم العربي بعد العثمانيين نتيجة إرادة الشعوب، بل نتاج تفاهمات استعمارية صنعت دولًا وحدودًا من دون أن تستند إلى الواقع الاجتماعي أو الثقافي في المنطقة.
ورغم مرور أكثر من مئة عام، لا تزال تلك الخرائط تحدد مسار الجغرافيا السياسية للعالم العربي حتى اليوم.

Join Whatsapp