وكالة أسنا للأخبار ASNA – إمكانية حلّ حركة أمل مكان حزب الله في قيادة الشيعة في لبنان بعد احتمال تأكيد خبر نجاح عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يتطلب دراسة متأنية ومعمقة لمجموعة من العوامل السياسية، التاريخية، الاجتماعية، والعقائدية التي تؤثر على المجتمع الشيعي في لبنان. وفي هذا السياق، يمكن تقسيم التحليل إلى عدة محاور رئيسية:
- التاريخ والشرعية الشعبية
حزب الله وحركة أمل يشتركان في خلفية تاريخية واحدة ترتبط ببيئة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن كل منهما اتخذ طريقاً مختلفاً في المراحل اللاحقة. الإمام موسى الصدر أسس حركة أمل في السبعينيات كحركة تمثل تطلعات الشيعة وتدافع عن حقوقهم في لبنان. ورغم أن حركة أمل كانت لها مكانة هامة في المجتمع الشيعي، فإن حزب الله استطاع لاحقًا أن يصبح القوة الشيعية الأبرز، خاصة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 وبفضل نجاحاته العسكرية ومواقفه السياسية.
حزب الله استفاد من دعم إيراني كبير ومؤسّساتي على مدى عقود، في حين أن حركة أمل كانت تعتمد بشكل أكبر على دعم داخلي وعلاقات مع النظام السوري. وبالتالي، حزب الله استطاع أن يجمع بين البعد العسكري القوي والبعد الأيديولوجي المعبّر عن فكرة “ولاية الفقيه”، مما أكسبه شرعية شعبية ودينية واسعة. في المقابل، حركة أمل تمثل التيار الوطني والشيعي التقليدي، لكن من دون الطابع العقائدي المرتبط بإيران.
- القوة العسكرية والتنظيمية
حزب الله يتمتع بقدرات عسكرية كبيرة وتنظيم محكم، وله جناح عسكري (المقاومة الإسلامية) وجناح سياسي يعمل داخل النظام السياسي اللبناني. هذه القوة العسكرية الضخمة تعزز موقفه في قيادة المجتمع الشيعي، لا سيما في الجنوب والبقاع حيث تتواجد قواعده الشعبية الكبرى.
على الجانب الآخر، حركة أمل، رغم أنها تملك قوة عسكرية سابقًا (خاصة خلال الحرب الأهلية)، إلا أن تأثيرها العسكري تراجع بعد الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف. ورغم أن للحركة نفوذاً سياسياً كبيراً في البرلمان والحكومة، إلا أن غياب جناح عسكري قوي يقيد قدرتها على منافسة حزب الله في المدى المنظور، خاصة في ظل الصراع المستمر مع إسرائيل والحاجة المستمرة للمقاومة المسلحة.
- البعد الإقليمي والدعم الخارجي
إيران تعتبر الداعم الأكبر لحزب الله، سواء على الصعيد المالي أو العسكري أو السياسي. هذا الدعم ساعد الحزب على تعزيز دوره كقائد للشيعة في لبنان وكلاعب رئيسي في المحور الإقليمي الممتد من إيران إلى سوريا وصولاً إلى فلسطين. في المقابل، حركة أمل ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران، لكنها تعتمد بشكل أساسي على تحالفاتها التقليدية مع سوريا وبعض الدول العربية.
في حال اغتيال حسن نصر الله، ستظل مسألة دعم إيران محورية. فإذا استمر دعم طهران لحزب الله بنفس القوة والزخم، فإن الحزب سيظل القوة الأبرز في المشهد الشيعي، حتى مع غياب نصر الله. أما إذا حدث تراجع في الدعم الإيراني لأسباب داخلية أو خارجية، فقد يفتح ذلك المجال أمام حركة أمل لمحاولة ملء الفراغ.
- المجتمع الشيعي والولاء الشعبي
الولاء الشعبي لحزب الله يأتي نتيجة لمجموعة من العوامل، بما في ذلك دوره في الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل، والإنجازات التي حققها في مقاومة الاحتلال. إضافة إلى ذلك، الحزب يقدم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية واسعة للشيعة في المناطق التي يسيطر عليها، مما عزز مكانته بين الفئات الشعبية.على الجهة الأخرى، حركة أمل لا تزال تحظى بتأييد شعبي في بعض المناطق، وخاصة في الجنوب حيث يعتبر رئيس الحركة نبيه بري زعيماً تاريخياً. لكن يبقى السؤال: هل يمكن لهذا التأييد أن يتحول إلى ولاء كامل في حال غياب حزب الله عن الساحة؟ ربما يكون الأمر صعباً، خاصة أن الحزب استطاع أن يبني شبكة علاقات شعبية قوية تستند إلى الأيديولوجيا والخدمات والتنظيم العسكري.
على الرغم من التأثير الكبير لحزب الله في الساحة اللبنانية والشيعية، إلا أن اغتيال حسن نصر الله سيشكل ضربة قوية للحزب، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى تراجع دوره بشكل سريع أو استبداله بحركة أمل. فالقوة العسكرية والتنظيمية للحزب والدعم الإقليمي من إيران سيظلان عوامل حاسمة في استمراره.
في المقابل، حركة أمل قد تجد فرصة لتوسيع نفوذها، ولكن بشرط أن تحدث تغييرات في المعادلات الإقليمية والدولية تؤثر على قوة حزب الله. وبالتالي، يمكن القول إن غياب نصر الله قد يفتح الباب لإعادة تشكيل القيادة الشيعية في لبنان، لكن هذا لن يحدث بشكل فوري أو كامل، وقد يبقى حزب الله القوة الأبرز في المدى القريب.