السويداء تحترق… وإسرائيل تقصف لحماية الدروز
تعيش محافظة السويداء جنوب سوريا على وقع تصعيد عسكري غير مسبوق، تحوّل إلى ساحة مواجهة مفتوحة تشارك فيها أطراف داخلية وخارجية، من بينها إسرائيل والولايات المتحدة، مع ما يرافق ذلك من ضغوط سياسية إقليمية ودولية، في لحظة فارقة بالنسبة إلى مستقبل حكومة الشرع السورية واستقرار سوريا ككل.
الجذور المحلية: توتر مزمن ينفجر
بدأت الأزمة من الداخل، حيث شهدت السويداء توترات متراكمة بين أبناء الطائفة الدرزية والحكومة السورية، وسط اتهامات بالتهميش وسوء الإدارة الأمنية. وبينما أعلنت وزارة الداخلية السورية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ودمج القوى المحلية في أجهزة الدولة، خرج الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز شيوخ العقل، لينفي أي اتفاق ويؤكد على استمرار القتال حتى “تحرير كامل تراب محافظة السويداء”. هذا التباين يعبّر عن انقسام حاد داخل المكوّن الدرزي نفسه، بين جناح يرفض الانصياع للنظام وآخر يسعى للتهدئة والاندماج.
إسرائيل تدخل على الخط: حماية الدروز أم ذريعة للتدخل؟
التصعيد لم يبقَ محصوراً داخل سوريا، فقد أعلنت إسرائيل عن شنّ أكثر من 160 غارة على مواقع تابعة للنظام السوري، معظمها في السويداء ودمشق، بحجة “حماية الدروز”. في المقابل، يرى مراقبون أن هذه الهجمات جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع لإضعاف الحكومة السورية تحت غطاء أخلاقي وإنساني.
وقد أظهرت إسرائيل استعداداً واضحاً للتصعيد، حيث تم تحويل فرق عسكرية وطائرات إلى الجبهة السورية، مع أوامر صريحة من رئيس الأركان الإسرائيلي بتكثيف القتال إذا فشلت جهود الوساطة، بل وصل الأمر إلى دخول قوات الشرطة الإسرائيلية الأراضي السورية لإعادة دروز عبروا من الجولان، وهو خرق مباشر للسيادة السورية وفق ما أكده الرئيس اللبناني.
واشنطن وتركيا: محاولات لاحتواء التصعيد
الموقف الأميركي عبّر عن قلق متزايد من توسّع المواجهة، حيث دعا المبعوث الأميركي إلى سوريا إلى وقف العنف والانخراط في حوار جاد، بينما أجرى مسؤولون أميركيون اتصالات عاجلة مع الإسرائيليين للمطالبة بوقف الهجمات، بحسب ما نقلته أكسيوس. ويُلاحظ أن إدارة ترمب لا تدعم بشكل مطلق الضربات الإسرائيلية، بل تحث على التهدئة وفتح قنوات حوار مباشر مع حكومة دمشق، وهو تطور لافت في الخطاب السياسي الأميركي.
أما تركيا، فاعتبرت الضربات “عملاً تخريبياً” يستهدف جهود الحكومة السورية في تحقيق الاستقرار، وأكّدت ضرورة دعم الدولة السورية في بسط سيطرتها على كافة أراضيها، في موقف يُعدّ انقلاباً على المواقف التركية السابقة تجاه النظام السوري.
حكومة الشرع في مأزق: بين فقدان السيطرة وحرب الوكالات
تواجه حكومة الشرع تحدياً كبيراً في ضبط الأمن داخل مناطقها، خصوصاً بعدما طالت الغارات مواقع سيادية قرب القصر الرئاسي في دمشق وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وفق وزارة الصحة السورية. كما أن الحديث عن “اندماج السويداء في الدولة” من طرف واحد، بينما ترفضه شخصيات دينية وزعامات ميدانية، يؤكد أن النظام لا يملك السيطرة الكاملة على الجنوب السوري، ويبدو عاجزاً عن فرض خياراته حتى داخل مناطق نفوذه.
انعكاسات استراتيجية: هل يتفكك الجنوب السوري؟
- داخلياً، تفقد الدولة السورية قدرتها على فرض الأمن في المحافظات الحدودية، مع تصاعد مطالب الحكم الذاتي أو اللامركزية الفعلية.
- إسرائيلياً، تستخدم تل أبيب الورقة الدرزية لتحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض وضرب العمق الأمني السوري.
- أميركياً وتركيًا، هناك توافق ضمني على ضرورة التهدئة، مع دعم مشروط لحكومة دمشق إن التزمت بتسوية شاملة.
- مستقبليًا، قد تؤدي هذه المعارك إلى رسم خرائط جديدة للسيطرة والنفوذ في الجنوب، تمهيدًا لتفاهمات إقليمية أو حتى تقسيم فعلي على الأرض.
معركة السويداء اختبار لمستقبل سوريا
الأحداث الجارية في السويداء تكشف أن الجنوب السوري دخل مرحلة “حرب الوكالات” بامتياز، حيث تتداخل المصالح المحلية بالقوى الإقليمية والدولية. تبقى حكومة الشرع أمام خيارين: إما الشراكة الحقيقية مع مكوّنات المجتمع وإعادة بناء الثقة، أو الانزلاق إلى مزيد من فقدان الشرعية والسيطرة، ما يجعل مستقبل سوريا معلّقاً على خيوط نيران لا تزال مشتعلة.