Maduro trump

تشهد العلاقات الأميركية–الفنزويلية تصعيداً غير مسبوق مع اقتراب نهاية عام 2025، بعدما دفعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الملفّ الفنزويلي إلى واجهة أولوياتها الأمنية والعسكرية. فالتوترات التي بدأت بحملات ضغط دبلوماسي واقتصادي تحوّلت تدريجياً إلى مواجهة مفتوحة في البحر والجو، ترافقها عمليات سرّية تعترف بها واشنطن للمرة الأولى منذ عقود. وفي ظلّ الحديث المتزايد عن “عمل برّي وشيك”، يحذّر محللون ومسؤولون إقليميون من أن المنطقة تقف على حافة نزاع قد يتجاوز الحدود الفنزويلية نحو صراع إقليمي واسع.

تصعيد بحري غير مسبوق

التحرّك الأكثر إثارة للجدل خلال الأسبوع الفائت تمثّل في مصادرة الولايات المتحدة ناقلة النفط Skipper، المسجّلة تحت علم غيانا، أثناء إبحارها قرب السواحل الفنزويلية متّجهة إلى كوبا. الرئيس ترمب وصف العملية بأنّها “الأكبر من نوعها”، ونشر تسجيلات تظهر جنوداً أميركيين ينفذون إنزالاً جوياً على السفينة.
ورغم محاولة واشنطن إدراج العملية ضمن حربها على تهريب المخدرات، اعتبر منتقدون أنها خطوة “قرصنة حديثة” تهدف إلى خنق صادرات النفط الفنزويلية، خصوصاً مع إعلان نية نقل الناقلة إلى ميناء أميركي لفحص حمولتها. المشهد أثار موجة واسعة من الغضب على منصّات التواصل، خصوصاً في ظلّ التوتر القائم بين فنزويلا وغويانا حول إقليم إيسيكويبو.

المصادرة جاءت بعد أسابيع من تحليق مقاتلات F/A-18 سوبر هورنت فوق خليج فنزويلا، في دورية استمرت 40 دقيقة ورُصدت مباشرة عبر FlightRadar24، ما اعتُبر إشارة واضحة إلى مستوى الجرأة في الاستفزازات العسكرية الأميركية.

العمليات السرّية تدخل حيّز العلن

في سابقة لافتة، أكّد ترمب بنفسه أنّه فوّض وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بتنفيذ عمليات داخل فنزويلا تهدف إلى ضرب ولاء المؤسّسة العسكرية للرئيس نيكولاس مادورو. وتمثل هذه الاعترافات تحوّلاً في قواعد الاشتباك، إذ تُستعاد فيها أساليب “حرب الخليج الأولى” لناحية التأثير المباشر على بنية النظام من الداخل.

إلى جانب ذلك، صنّفت واشنطن مجموعات فنزويلية مرتبطة بـ“كارتيل دي لوس سوليس” و“ترين دي أراغوا” كـ“منظمات إرهابية أجنبية”، ما يتيح للقوات الأميركية تنفيذ ضربات قاتلة ضد سفن يُشتبه بنقلها المخدرات من دون الحاجة لمشاركة خفر السواحل — وهي منطقة قانونية رمادية ينتقدها مشرعون أميركيون.

إغلاق الأجواء: خطوة اعتبرتها البرازيل “عملاً حربياً”

وفي نهاية نوفمبر، أعلن ترمب إغلاقاً كاملاً للأجواء الفنزويلية أمام الحركة الجوية الدولية، ما دفع معظم شركات الطيران إلى وقف رحلاتها فوراً. البرازيل وصفت القرار بأنه “عمل حربي”، في حين حذّر مستشار السياسة الخارجية للرئيس لولا دا سيلفا من أنّ أي غزو أميركي سيخلق “مستنقعاً على طريقة فيتنام”.

الإغلاق فاقم الأزمة الإنسانية التي تطال نحو 7.9 مليون فنزويلي، فيما اتّهم مادورو واشنطن بليّ ذراع الدبلوماسية بعد إغلاق كاراكاس سفارتها في النرويج عقب منح الناشطة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام لعام 2025.

حرب القوارب: 22 ضربة خلال أربعة أشهر

منذ سبتمبر 2025، نفذت القوات الأميركية 22 ضربة ضد قوارب يُشتبه بأنها تابعة لشبكات تهريب في الكاريبي والهادئ الشرقي، ما أسفر عن عشرات القتلى. أبرزها كان في 2 سبتمبر عندما دمّرت البحرية الأميركية زورقاً نسبته إلى منظمة “ترين دي أراغوا”، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً — وهي المرة الأولى التي تنفّذ فيها البحرية ضربة قاتلة دون مشاركة أي جهاز أمني آخر.

مسؤولون متقاعدون في البحرية الأميركية انتقدوا هذا التوسع في عمليات “الاستخدام القاتل للقوة”، معتبرين أنه يفتح الباب أمام تصعيد غير محسوب.

صراع تتشابك فيه الجغرافيا والنفط والشرعية السياسية

تعود جذور الصراع إلى الانتخابات الفنزويلية المثيرة للجدل في 2024، والتي صنّفتها واشنطن “مزورة”، إضافة إلى عقوبات اقتصادية ممتدة وبيع أصول شركة “سيتغو” بأمر محكمة أميركية لتعويض ديون على كاراكاس. ترمب رفع أيضاً قيمة المكافأة على رأس مادورو إلى 50 مليون دولار، رابطاً الأزمة بملفي الهجرة وتهريب المخدرات، رغم تأكيد خبراء أن فنزويلا ليست المصدر الرئيسي للكوكايين.

خريطة التصعيد الجيوسياسي تتعقد مع دخول موسكو على الخط—فروسيا كانت قد نشرت غواصات نووية في كوبا وصواريخ في فنزويلا في عام 2024، في خطوة اعتُبرت ردّاً على التمدد الأميركي.

مخاوف دولية وشعبية من اندلاع الحرب

الدول الإقليمية، وعلى رأسها البرازيل، تخشى أن يؤدّي أي تدخل برّي أميركي إلى حرب عصابات طويلة قد تمتد إلى دول الجوار. قناة الجزيرة وصفت المشهد بأنه “فتح صندوق باندورا”، فيما أظهرت استطلاعات داخل الولايات المتحدة أنّ 70% من الأميركيين يعارضون التدخل العسكري.

أما على منصة X، فانقسمت الآراء بين من يرى في التحركات الأميركية “إمبريالية جديدة”، ومن يدعمها كجزء من “حرب على الكارتلات”، لكن معظم النقاشات الأخيرة ركّزت على مصادرة ناقلة النفط، معتبرة أنها مؤشر على نية واشنطن فرض حصار شامل على صادرات النفط الفنزويلية.

خاتمة: سيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات

بين تصاعد العمليات البحرية والجوية، وتوسّع النشاط السرّي، وتنامي الخطاب الحربي من البيت الأبيض، تبدو الأزمة الأميركية–الفنزويلية اليوم على شفا مرحلة جديدة قد تحمل معها تحوّلاً جذرياً في خريطة التحالفات الإقليمية.
في الكونغرس، تتحرك مجموعات من المشرّعين لدفع قرار صلاحيات الحرب لفرملة تحركات ترمب، إلا أن دينامية الأحداث على الأرض تُظهر سباقاً مع الزمن، في وقت تتسارع فيه التطورات وتتجاوز غالباً قدرة المؤسسات السياسية على ضبطها.

الأيام المقبلة ستحدد ما إذا كانت واشنطن وكاراكاس تتجهان نحو حرب مفتوحة أو تسوية مفاجئة، في صراع يختزل معركة نفوذ، وشرعية سياسية، وصراعاً على موارد تُعدّ من الأضخم في العالم.

Join Whatsapp