جائزة نوبل للسلام 2025: بين شجاعة المعارضة الفنزويلية وحرمان ترامب من المجد
أعلنت لجنة نوبل النرويجية في العاشر من أكتوبر 2025 من أوسلو فوز ماريا كورينا ماتشادو، زعيمة المعارضة في فنزويلا، بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، تقديرًا لجهودها الطويلة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية والسعي لتحقيق انتقال سلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية في بلادها. الجائزة التي تبلغ قيمتها نحو 1.2 مليون دولار ستُمنح رسميًا في العاشر من ديسمبر المقبل، تماشيًا مع وصية ألفريد نوبل التي تحتفي بمن يرسخ قيم السلام والإخاء بين الشعوب.
لجنة نوبل أشادت بماتشادو على دورها في توحيد المعارضة الفنزويلية المنقسمة ومقاومتها لنهج العسكرة، معتبرة أنها جسّدت “شجاعة مدنية” نادرة عبر وسائل سلمية بحتة، ما يجعلها نموذجًا لروح نوبل الأصيلة في بناء السلام على أساس الديمقراطية والحقوق المدنية.
في المقابل، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أبرز المرشحين للجائزة هذا العام، إذ رشّحه عدد من القادة والسياسيين، بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء في الكونغرس الأميركي، مستندين إلى دوره في إبرام اتفاقات أبراهام، والهدنة الأخيرة في غزة، وادعاءاته بأنه “أنهى عدة حروب”. إلا أن اللجنة اختارت بوضوح طريقًا آخر، مفضّلةً تكريم نضال الأفراد الذين يواجهون الاستبداد بدلًا من القادة الذين يسعون وراء صفقات سياسية مؤقتة.
لماذا لم يفز ترامب؟
رغم الضجيج المحيط بترشيحه، يوضح المراقبون أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء تجاهل لجنة نوبل للرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا العام:
- تعارض مع فلسفة نوبل:
ركّزت اللجنة على أن رؤية نوبل تقوم على التعاون الدولي طويل الأمد وبناء السلام من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف. أما نهج ترامب المعروف بـ”أميركا أولاً”، وموقفه العدائي تجاه منظمات مثل الأمم المتحدة، وانسحابه من اتفاق باريس للمناخ، فقد اعتُبر نقيضًا لهذه المبادئ. - سجل سلام متناقض وأفعال داخلية مثيرة للجدل:
رغم محاولاته الترويج لإنجازات كاتفاق غزة، يرى الخبراء أن هذه المبادرات تفتقر إلى العمق والاستدامة، ولا تُقارن بجهود حركات تحرر أو منظمات إنسانية حازت الجائزة سابقًا. كما أن مواقفه الداخلية الحادة تجاه المعارضة والإعلام والمؤسسات الديمقراطية جعلت صورته بعيدة عن روح المصالحة التي تجسدها جائزة نوبل. - العملية الزمنية والرمزية:
أُغلِق باب الترشيحات في 31 يناير 2025، أي قبل إنجازاته الأخيرة بأسابيع، ما جعلها خارج نطاق التقييم. كما أن حملته العلنية للفوز بالجائزة، عبر تصريحات متكررة وخطابات سياسية، فُسّرت على أنها بحث عن مجد شخصي أكثر منه التزام حقيقي بالسلام، وهو ما أثّر سلبًا على حظوظه.
رمزية القرار
اختيار ماتشادو يعبّر عن تحول في فلسفة لجنة نوبل نحو دعم المدافعين عن الديمقراطية في مواجهة موجة التسلط العالمي، بعيدًا عن الأسماء اللامعة في السياسة الدولية. ويعكس أيضًا إدراك اللجنة بأن السلام الحقيقي يبدأ من حماية حقوق الشعوب داخل أوطانها، لا من صفقات عابرة بين الحكومات.
أما ترامب، الذي وصف مسبقًا حرمانه المحتمل من الجائزة بأنه “إهانة لأميركا”، فقد ردّ ساخرًا بعد الإعلان بقوله إن اللجنة “ستمنحها لشخص لم يفعل شيئًا”. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انقسمت الآراء بين من رأى القرار “سياسيًا بامتياز”، ومن اعتبره انتصارًا لشجاعة المرأة الفنزويلية في وجه القمع.
ورغم خسارته هذا العام، لا يُستبعد أن يعود اسم ترامب إلى قائمة المرشحين مستقبلاً، إذا أثبتت مبادراته المعلنة قدرتها على تحقيق سلام مستدام — لكن حتى ذلك الحين، تبقى جائزة نوبل 2025 عنوانًا لانتصار الشجاعة المدنية على الدبلوماسية الاستعراضية.