القطب الشمالي… صفقة القرن الجديدة بين واشنطن وموسكو؟
وكالة أسنا للأخبار ASNA
تشير معطيات متزايدة إلى أن اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا لم يقتصر على مناقشة الحرب في أوكرانيا أو الملفات الأمنية التقليدية، بل يتصل مباشرة بملف آخر أكثر عمقاً وحساسية: التنافس على القطب الشمالي، وغرينلاند تحديداً، كمفتاح لثروة القرن الجديد وممراته البحرية.
غرينلاند… الجائزة الكبرى
غرينلاند، الجزيرة الضخمة التابعة رسمياً للدنمارك، تمثّل نقطة ارتكاز استراتيجية في الصراع العالمي المقبل. فهي غنية بالمعادن النادرة (Rare Earth Minerals) الضرورية لصناعة البطاريات والتكنولوجيا المتقدمة والأسلحة الذكية. الصين، كما تكشف تقارير استخباراتية أميركية، استثمرت منذ سنوات بهدوء في مشاريع هناك للسيطرة على هذه الموارد.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن خسارة النفوذ في غرينلاند لصالح بكين تعني تعريض أمنها القومي للخطر الاستراتيجي. لذلك لم يكن غريباً أن يطرح ترامب، خلال ولايته الأولى، فكرة “شراء” الجزيرة من الدنمارك، وإن ووجه حينها بالسخرية والرفض. إلا أن هذه الفكرة لم تختفِ، بل تبدو اليوم أكثر إلحاحاً مع تصاعد نفوذ الصين.
الممرات البحرية الجديدة
ذوبان الجليد في القطب الشمالي، نتيجة التغير المناخي، يفتح الباب أمام تحوّلات جذرية في الجغرافيا الاقتصادية للعالم. فمن المتوقع أنه بحلول عام 2040 – وربما قبل ذلك – ستظهر طرق ملاحية جديدة عبر القطب الشمالي تختصر المسافات بين آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية بشكل كبير.
هذه الممرات قد تتحول إلى ما هو أهم من قناة السويس أو حتى قناة بنما، لأنها ستقلل كلفة ووقت النقل البحري بنسبة تصل إلى 40%. ومعظم هذه الطرق يمر عبر السواحل الروسية أو المياه المحاذية لغرينلاند وكندا. ومن هنا يصبح التحكم فيها مسألة هيمنة اقتصادية وعسكرية في آن واحد.
روسيا: اللاعب المتقدّم
روسيا تُعتبر حتى الآن الأكثر استعداداً لهذا التغيير. فهي تمتلك أكبر أسطول من كاسحات الجليد النووية، واستثمرت مليارات الدولارات في تحديث موانئها العسكرية والمدنية في القطب الشمالي. كما أعلنت موسكو مراراً أن الممر الشمالي “ملكها التاريخي”، وهو ما ترفضه واشنطن وحلفاؤها.
الولايات المتحدة: بين ألاسكا وغرينلاند
في المقابل، الولايات المتحدة تمتلك أوراقاً أقل لكنها حساسة:
- ألاسكا، بحدودها البحرية الواسعة في القطب.
- غرينلاند، التي إن حصلت على نفوذ فيها ستصبح قاعدة أمامية لاحتواء روسيا والصين.
لذلك، فإن لقاء ترامب–بوتين في ألاسكا ليس مجرد صدفة جغرافية، بل رسالة إلى أن اللعبة الحقيقية تدور هناك: في “السقف الشمالي للعالم”.
الصين: الحاضر الغائب
رغم أن اللقاء يبدو أميركياً–روسياً، فإن الصين هي الحاضر الغائب في المعادلة. بكين، عبر استثماراتها في غرينلاند وفي ممرات الشحن الجليدية، تسعى لأن تكون طرفاً أساسياً في صفقة السيطرة على القطب الشمالي. بالنسبة للصين، هذه ليست مجرد تجارة، بل بوابة لكسر النفوذ الأميركي في المحيطين الهادئ والأطلسي معاً.
صفقة القرن الجديدة؟
حين يقال “صفقة القرن” في القطب الشمالي، فالمقصود ليس مجرد عقد اقتصادي، بل اتفاق ضمني لتقاسم النفوذ:
- روسيا تسيطر على الجزء الشرقي ومعظم الممرات الجليدية.
- الولايات المتحدة تسعى لتثبيت حضورها عبر غرينلاند وألاسكا.
- الصين تتسلل بهدوء عبر الاستثمارات والتكنولوجيا.
إذا نجح ترامب في إعادة التفاوض مع بوتين، قد نشهد تحوّلاً تاريخياً يعيد رسم موازين القوى العالمية للقرن الحادي والعشرين.
النقاشات المعلنة عن الحرب في أوكرانيا ليست سوى قشرة سطحية. في العمق، يجري الحديث عن الثروة القطبية والممرات البحرية الجديدة. هذه هي معركة المستقبل، والمنتصر فيها سيحدد شكل الاقتصاد والسياسة العالمية لعقود قادمة.
وعليه، فإن لقاء ألاسكا بين ترامب وبوتين قد لا يكون “اجتماعاً بروتوكولياً” بقدر ما هو خطوة أولى نحو “اتفاق القرن” في القطب الشمالي، حيث الثروات المعدنية والممرات البحرية والهيمنة الجيوسياسية على المحك.