الهجوم الأوكراني الجريء على العمق الروسي – كيف سيغير موازين مفاوضات السلام ويهدد بتصعيد خطير؟
في عملية عسكرية وُصفت بالأكثر جرأة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، نفذت كييف هجومًا بطائرات مسيّرة استهدف أربع قواعد جوية روسية، مما ألحق أضرارًا جسيمة بطائرات استراتيجية نادرة، أبرزها Tu-95، Tu-22، وTu-160، وهي طائرات تمثل جزءًا أساسيًا من قدرات موسكو الهجومية بعيدة المدى. أطلق على العملية اسم “شبكة العنكبوت”، واستغرق التخطيط لها قرابة 18 شهرًا، بحسب مصادر في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية (SBU).
الهجوم الذي استخدمت فيه 117 طائرة مسيّرة، كان بمثابة استعراض مذهل للقدرات الأوكرانية في تنفيذ عمليات معقدة داخل العمق الروسي. بعض المسيّرات تم تهريبها إلى روسيا داخل شاحنات نقل مزودة بمقصورات سرية وأسطح متحركة يتم التحكم بها عن بُعد، ما سمح بإطلاقها قرب القواعد الجوية المستهدفة.
الأبعاد العسكرية والاستراتيجية للهجوم
يتجاوز هذا الهجوم مجرد إلحاق الضرر المادي بالقدرات الجوية الروسية. فمن حيث الأثر العسكري:
- استهداف الطائرات الاستراتيجية: القاذفات التي تم استهدافها (Tu-95، Tu-22، Tu-160) ليست مجرد طائرات، بل أدوات رئيسية لتنفيذ الضربات النووية والصاروخية بعيدة المدى. كما أن بعضها لم يعد يُنتج، ما يجعل خسارتها ضربة موجعة لقدرات موسكو المستقبلية.
- تعطيل الصناعة العسكرية الروسية: بحسب خبراء عسكريين، فإن الأضرار التي لحقت بالطائرات – حتى إن لم تكن مدمرة بالكامل – ستتطلب عمليات إصلاح معقدة، ربما تكون الصناعة العسكرية الروسية الحالية غير قادرة على تحملها أو استكمالها في المدى القصير.
انعكاسات على مفاوضات السلام
يأتي هذا الهجوم في توقيت حساس، إذ تزامن مع استعداد الوفود الأوكرانية والروسية للجلوس على طاولة المفاوضات في إسطنبول، بوساطة دولية تهدف إلى دفع الطرفين نحو وقف إطلاق النار. الرسائل المتبادلة بين كييف وموسكو بعد العملية تعطي إشارات واضحة:
- تعزيز موقف أوكرانيا التفاوضي: من الواضح أن كييف أرادت إيصال رسالة بأنها لم تُهزم، وأنها ما زالت تملك القدرة على توجيه ضربات موجعة حتى في العمق الروسي، وهو ما قد يدفع روسيا وحلفاءها الغربيين لإعادة النظر في أي محاولات لفرض “شروط استسلام” على أوكرانيا.
- ضغوط على الغرب: تشير بعض التقارير إلى أن دولاً غربية بدأت تضغط على أوكرانيا للقبول بتسوية، لكن الهجوم قد يعزز موقف كييف ويحرج هذه الدول أمام شعوبها والرأي العام العالمي.
- ردة فعل روسيا: من جهة أخرى، قد ترى موسكو في العملية تهديدًا استراتيجيًا وتختار التصعيد العسكري لإظهار القوة، مما قد يؤدي إلى تعقيد جهود الوساطة ودفع المفاوضات نحو طريق مسدود.
هل هناك خطر تصعيد نووي أو اندلاع حرب عالمية ثالثة؟
- الخطر النووي قائم لكنه غير وشيك: رغم التلويحات الروسية السابقة باستخدام الأسلحة النووية “إذا تهدد أمنها الوجودي”، فإن هذا الهجوم – الذي لم يستهدف مواقع نووية أو مدنية – لا يبدو أنه يرقى إلى المستوى الذي يدفع موسكو لاستخدام السلاح النووي، خاصة مع وعيها بأن ذلك سيجلب ردة فعل دولية ساحقة.
- التصعيد الإقليمي محتمل: قد تسعى روسيا لتوسيع نطاق العمليات العسكرية في أوكرانيا، سواء عبر ضربات جوية مكثفة أو عمليات برية جديدة، وربما محاولة استهداف منشآت عسكرية أو حتى مدنية داخل أوكرانيا، بهدف إثبات القدرة والردع.
- حرب عالمية ثالثة؟ حتى الآن، يبدو أن الأطراف الدولية الكبرى (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين) حريصة على احتواء التصعيد ومنع اندلاع نزاع عالمي، لكن أي خطأ في الحسابات – سواء من موسكو أو من حلف الناتو – قد يدفع الأمور نحو سيناريوهات خطيرة.
موازين متغيرة وتحذيرات جدية
الهجوم الأوكراني على العمق الروسي يعيد رسم ملامح الصراع، ويبعث برسالة مزدوجة: لأوكرانيا والعالم أن المعركة لم تنتهِ، ولموسكو أن ردعها لم يعد مضمونًا كما كان. لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف جدية من تصعيد قد يمتد إلى مستويات خطيرة، وإن كان الخيار النووي لا يزال بعيدًا.
المفاوضات في إسطنبول ستُعقد في ظل هذا المناخ المشحون، حيث ستدخل أوكرانيا بثقة أكبر، بينما ستجد روسيا نفسها مضطرة لإعادة حساباتها. ومع ذلك، فإن أي خطأ في التقدير – من أي طرف – قد يدفع بالعالم نحو منزلق خطير.