الرئيس الشهيد بشير الجميل

بشير الجميل: قائد المقاومة وشهيد السيادة

في تاريخ لبنان المعاصر، يُعد بشير بيار الجميل واحداً من أبرز الشخصيات التي شكلت مسار الصراعات السياسية والعسكرية في القرن العشرين. ولد في 10 نوفمبر 1947 في منطقة الأشرفية بيروت، وكان الابن الأكبر لبيار الجميل، مؤسس حزب الكتائب اللبنانية في عام 1936، الذي يُعتبر أحد أقدم الأحزاب السياسية في لبنان ويُمثل التيار المسيحي الماروني. نشأ بشير في عائلة ذات جذور سياسية عميقة، حيث كان والده رمزاً للقومية اللبنانية والدفاع عن الهوية اللبنانية المستقلة. تلقى تعليمه الأولي في المدارس اليسوعية، ثم التحق بجامعة القديس يوسف في بيروت، حيث درس القانون والعلوم السياسية، وحصل على الشهادة في القانون عام 1971 وفي العلوم السياسية عام 1973. بعد تخرجه، عمل مدرساً لفترة قصيرة قبل أن يفتح مكتب محاماة في عام 1972، لكنه سرعان ما وجد نفسه منغمساً في العمل السياسي والعسكري بسبب التوترات السياسية المتزايدة في لبنان.

الانخراط في السياسة وحزب الكتائب

انخرط بشير الجميل في السياسة مبكراً، حيث انضم إلى شعبة الشباب في حزب الكتائب وهو في الثانية عشرة من عمره، في أوائل الستينيات. كان الحزب، الذي أسسه والده، يركز على تعزيز الهوية اللبنانية المسيحية ومواجهة التدخلات الخارجية، خاصة من الفلسطينيين والسوريين. في أواخر الستينيات، خضع بشير لتدريبات عسكرية ضمن القوات التنظيمية للكتائب (RKF)، وقاد “فرقة بكفيا”، وهي وحدة شبابية متخصصة في التدريب العسكري. كما شارك في أنشطة الطلاب، حيث درب الشباب المسيحيين على عمليات الميليشيات، مما مهد الطريق لتأسيس ما سيصبح القوات اللبنانية لاحقاً.

شهد عام 1969 حادثة خطف قصيرة له على يد مسلحين فلسطينيين، لكنه أُفرج عنه بعد وساطة، مما عزز من التزامه بالدفاع عن السيادة اللبنانية. مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، برز بشير كقائد عسكري بارز في حزب الكتائب، حيث أصبح رئيساً للقوات التنظيمية بعد مقتل وليم حاوي في عام 1976. كان يُعتبر قيادياً في “الجبهة اللبنانية”، الائتلاف المسيحي الذي يعارض منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) والتدخل السوري في لبنان.

تأسيس القوات اللبنانية

مع تصاعد الحرب الأهلية، أدرك بشير الجميل ضرورة توحيد الميليشيات المسيحية المتناحرة لمواجهة التحديات الخارجية. في 18 يناير 1976، أسس “القوات اللبنانية” (LF) تحت شعار “توحيد البندقية المسيحية”، من خلال دمج الجناح العسكري لحزب الكتائب مع ميليشيات أخرى مسيحية رئيسية مثل الأنصار والحركة اللبنانية. أصبحت القوات اللبنانية قوة عسكرية قوية، وقادها بشير في عمليات عسكرية حاسمة، مثل غزو معسكر الكرنتينا في يناير 1976، الذي أسفر عن مقتل نحو 1000 شخص، وكذلك حصار تل الزعتر في صيف 1976. في عام 1978، قاد “حرب المئة يوم” ضد القوات السورية، وفي عام 1981، قاد معركة زحلة ضد السوريين، مما عزز من مكانته كقائد مقاوم.

شهدت فترة قيادته صراعات داخلية، مثل مذبحة إهدن في 13 يونيو 1978، حيث اتُهمت القوات اللبنانية باغتيال طوني فرنجية وعائلته، ومذبحة الصفرا في يوليو 1980 ضد ميليشيا النمور، مما أدى إلى دمجها في القوات اللبنانية. بحلول عام 1980، أكمل بشير توحيد “البندقية المسيحية”، مما جعله الزعيم الأبرز للقطاع المسيحي في لبنان.

وصوله إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية

مع غزو إسرائيل للبنان في يونيو 1982، تعززت علاقة بشير الجميل بإسرائيل، التي رأت فيه حليفاً ضد المنظمة الفلسطينية. دعمته الولايات المتحدة والموساد في حملته الانتخابية، وفي 23 أغسطس 1982، انتخب رئيساً للجمهورية اللبنانية بأغلبية ساحقة (57 صوتاً من 65) في البرلمان اللبناني، رغم معارضة سوريا وفصائل فلسطينية. كان يُنظر إليه كرمز للأمل في إعادة بناء لبنان الموحد والمستقل، ووعد بإنهاء الحرب الأهلية وطرد القوات السورية والفلسطينية.

اغتياله وأسباب الدوافع

لم يتمكن بشير الجميل من أداء اليمين الدستورية، إذ اغتيل في 14 سبتمبر 1982، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من انتخابه، في تفجير بمقر حزب الكتائب في الأشرفية ببيروت، أودى بحياته وحياة 26 آخرين. كان التفجير ناتجاً عن 200 كيلوغرام من المتفجرات التي زُرعت في الطابق السفلي، وأُشعلت عن بعد.

اعترف حبيب شرتوني، عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي (SSNP)، بتنفيذ العملية، مدعياً أن الدافع كان تحالف الجميل مع إسرائيل، الذي يُعتبر خيانة للوطن. أكدت تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) تورط الحزب السوري القومي، مع شبهات قوية بتدخل الاستخبارات السورية، التي رأت في الجميل تهديداً مباشراً لنفوذها في لبنان. كانت سوريا قد حظرت انتخابه ودعمت خصومه، بينما كان الجميل يُمثل عقبة أمام طموحاتها الإقليمية. أدى الاغتيال إلى صدمة واسعة، ومهد الطريق لأحداث دامية مثل مذبحة صبرا وشاتيلا، لكنه عزز من إرث الجميل كشهيد الاستقلال والمقاومة.

يظل بشير الجميل رمزاً للشجاعة والقومية اللبنانية، حيث يُحتفل بذكراه كل عام في 14 سبتمبر، ويُنظر إليه كبطل لمن يؤمنون بسيادة لبنان الحر.

Join Whatsapp