حل لبنان يبدأ من رام الله وينتهي في دمشق.
في زمن التبدّلات الكبرى على مسرح الشرق الأوسط، يطفو لبنان مجددًا كأكثر الملفات استعصاءً، أو بالأحرى كأكثرها عنادًا وركودًا، بفضل أمراء الطوائف وسلاح حزب الله و”الزعيم الأبدي” نبيه بري، الذي قال عنه أحد المراقبين ساخرًا:
“طول ما نبيه بري بلبنان، ما حدا بيقدر يعمل شي… بيجوا وبيفلّوا، وما حدا بيقدر ياخد منو ولا توقيع.”
“السين سين” يعود… لكن بنسخة معدّلة ووجوه جديدة!
الدهشة لم تعد واردة. السيناريو يتكرّر: السعودية وسوريا على خطّ تنسيق متجدد، ولكن هذه المرة برعاية علنية، لا خلف الكواليس. واللافت أن الرئيس السوري أحمد الشرع يُطرح كواجهة تغييرية وسط توجّه سعودي واضح: “لا لبنان بلا سوريا، ولا سوريا بلا فلسطين.”
السعودية: من دفتر الشيكات إلى دفتر الشروط
السعودية لم تعد الممول الصامت. انتهى زمن الدفع مقابل الصور التذكارية. اليوم، الرياض تُمسك بزمام المبادرة، وتربط أي تسوية في لبنان، بنجاح صفقة كبرى تشمل:
- حل الدولتين والاعتراف بفلسطين
- ضمان أمن سوريا وإعادة ترتيب الحدود
- تقليم أظافر طهران وأذرعها في المنطقة
وها هي فرنسا، ومعها عدة دول أوروبية، تُحضّر للاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل رسمي في سبتمبر المقبل. خطوة ستكون بمثابة قنبلة سياسية، مدفوعة بثقل سعودي بدأ يُترجم بضغط ديبلوماسي متسارع.
الموفدون: استعراضات دبلوماسية بلا نتائج
من توم باراك إلى مورغان أورتاغس، يتناوب الوسطاء الدوليون على “الزيارة السياحية إلى بيروت”. جولات ولقاءات وبيانات، لكن لا شيء يتغيّر. المشهد ثابت: سلاح حزب الله، شلل سياسي، وطبقة حاكمة تتقن لعبة الوقت القاتل.
لبنان لم يعد مجرّد ملف داخلي. إسرائيل تراه آخر نقطة في خارطتها الأمنية، ولا تنوي القبول بأي فراغ طويل على حدودها الشمالية، ما لم تضمن أمن سوريا وتجميد “الجبهة الجنوبية”.
الرسالة واضحة: “يا بيروت… انتظري فلسطين أولًا”
الحل في لبنان ليس عند توم باراك ولا مورغان أورتاغس ولا عند أي موفد دولي. الجواب عند السعودية التي تُمسك بكل الأوراق: من المليارات التي وُزّعت الى الرئيس الاميركي دونالد ترامب، إلى قرارات كبرى في بروكسل وباريس.
ولبنان؟ سيبقى رهينة حتى اكتمال المشهد الأكبر:
الاعتراف بفلسطين، وتحييد سوريا، وترسيم الشرق الأوسط الجديد… من دون إيران.
تبدو المناورة السعودية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالملف اللبناني، إذ لن تسمح الرياض بأي حل في بيروت قبل تحقيق اختراق جوهري في المسارين السوري والفلسطيني. بالنسبة لإسرائيل، لا يزال لبنان “آخر محطة” لتأمين حدودها الشمالية، ولا يمكن فصله عن أمن الجنوب السوري ومستقبل الوجود الإيراني في سوريا.
يُعيد الشرق الأوسط تشكيل ذاته ببطء، لكن بثبات، على وقع تراجع نفوذ طهران، وبروز أدوار جديدة للرياض. الملف اللبناني سيبقى معلقاً حتى اتضاح ملامح التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، وترسيخ الحل السياسي في سوريا. حتى ذلك الحين، سيستمر الموفدون الدوليون في “المناوبة”، دون قدرة فعلية على فرض أي تسوية، ما لم يتغير ميزان القوى الإقليمي والدولي، لصالح مشروع يعترف بدولة فلسطينية ويعيد فتح أبواب دمشق، ولو بحذر، إلى الحضن العربي.
لبنان اليوم هو آخر قطعة دومينو تنتظر سقوط ما قبلها، ولن يسقط هذا الحجر قبل أن يصفّق العالم لدولة فلسطين، وتُرفع الأعلام في دمشق من دون فيلق القدس.