جبران باسيل خلال كلمة بعيد الانتخابات البلدية ٢٠٢٥

الانتخابات البلدية بين الواقع والآتي: جبران باسيل يطلق مؤشرات مستقبل التيار الوطني الحر في الاستحقاقات النيابية

جاءت كلمة رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، تعليقاً على الانتخابات البلدية، كوثيقة سياسية تعبّر عن موقع التيار اليوم ورؤيته للغد، وتُشكّل مدخلاً جدياً لتحليل واقع هذا الحزب المسيحي الأبرز وطموحاته في الانتخابات النيابية المقبلة.

من خلال كلمته، أعاد باسيل تبرير تفاهم “مار مخايل” مع حزب الله، لا من منطلق تحالف استراتيجي ثابت، بل من زاوية الحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع الانزلاق إلى الفتنة الداخلية. في الوقت الذي هاجم فيه من يبرّر تحالفه الحالي مع حزب الله بضرورات المناصفة ومواجهة القوات اللبنانية، مشيراً ضمناً إلى التناقض في مقاربات بعض القوى المسيحية.

بيروت، العاصمة، كانت نقطة مركزية في خطابه، حيث بدا واضحاً أن التيار يسعى لاستعادة جزء من حضورٍ خسره سابقاً في المدينة ذات الغالبية السنية، من خلال تأسيس لائحة “بيروت بتجمعنا”، وتقديم تصور جديد لتقسيم بيروت إلى دوائر بلدية مستندة إلى أحيائها التقليدية. هذا الطرح يُقرأ كمحاولة لفتح نقاش إصلاحي يعيد التوازن داخل العاصمة، لكنه يصطدم بواقع سياسي يصفه باسيل نفسه بأنه “قاصر عن النظر إلى البعيد”، ويشتبك مع حساسيات ديموغرافية ومذهبية حادة.

أما في الشق المتعلق بالبقاع، فقد أظهرت مداخلته سعي التيار لتثبيت حضوره الوطني خارج مناطقه التقليدية. فبحسب باسيل، أثبت التيار وجوده في معظم قرى البقاع، حتى في المناطق ذات الغالبية المسلمة، رغم محدودية ذلك الحضور. لكنه يلفت بنوع من الفخر إلى أن التيار ما زال الأقوى بين المسيحيين في راشيا، ويملك حضوراً وازناً في زحلة وبعلبك، حتى لو خسر في القاع لأسباب عائلية داخلية. اللافت هنا أن التيار يراهن مستقبلاً على تعزيز دوره في هذه المناطق عبر جمع العائلات وتقديم تنازلات محلية تعيد له الزخم.

تحليل سياسي:

الخطاب يسلّط الضوء على معضلتين أساسيتين تواجهان التيار الوطني الحر:

  1. أزمة التحالفات: التيار يعيش في مأزق سياسي مزدوج، فهو من جهة لا يستطيع الانفكاك بسهولة عن حزب الله دون دفع ثمن شعبي وتنظيمي باهظ، ومن جهة ثانية، يجد نفسه في مواجهة قوى مسيحية منافسة، وعلى رأسها القوات اللبنانية، تحاول تطويقه مسيحياً. وقد جاءت تبريرات باسيل للعلاقة مع حزب الله وكأنها تمهيد لعودة محتملة إلى نوع من التنسيق المرن، أو حتى إعادة تقييم التحالف في ضوء التحولات السياسية.
  2. الانتشار الوطني والمشروع اللامركزي: الرسائل التي حملتها كلمته في ما يخص بيروت والبقاع تؤكد أن التيار يعمل على خطاب يتجاوز المناطق المسيحية الصرفة. فهو يسعى إلى توسيع حضوره الأفقي، لا فقط كممثل للمسيحيين بل كقوة إصلاحية تطرح حلولاً على المستوى الوطني (مثل تقسيم بيروت إدارياً)، وتسعى لإثبات وجودها في مناطق مختلطة أو غير مسيحية.

رسالة باسيل البلدية ليست محلية. إنها خطاب انتخابي مبكر يحمل في طياته إشارات واضحة إلى أن التيار الوطني الحر يعيد تموضعه استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة، معوّلاً على قدرة التنظيم، والمناورة في التحالفات، وورقة الإصلاح البلدي واللامركزية. لكن نجاح هذا الطرح سيتوقف على عاملين: أولاً، استعادة الثقة داخل البيئة المسيحية، وثانياً، قدرته على فك العزلة السياسية التي يواجهها في الشارع الوطني الأوسع.

Join Whatsapp