فضيحة الوقود المغشوش تهز لبنان
بيروت – 13 سبتمبر 2025 – في ليلة مشحونة بالتوتر على سواحل بيروت، تحول ميناء جية إلى مسرح لعملية عسكرية درامية، حيث أوقف الجيش اللبناني باخرة “هوك III” المحملة بآلاف الأطنان من الوقود النفطي، بعد محاولتها الهروب غير القانوني من المياه الإقليمية. هذا الحادث، الذي وقع في ساعات الفجر من يوم الجمعة 13 سبتمبر، ليس مجرد قصة عن سفينة متمردة، بل هو باب مفتوح على فضيحة أكبر تكشف عن ثغرات في رقابة الجمارك، مخالفات محتملة للعقوبات الدولية، وفساد مزعوم في صفقات الطاقة اللبنانية التي تعاني البلاد من أزمة حادة فيها.
بداية الشكوك: شحنة وقود مشبوهة تصل إلى لبنان
وصلت باخرة “هوك III”، الناقلة اليونانية التي تحمل علم بنما، إلى ميناء الضبية شمال بيروت في أوائل أغسطس 2025، محملة بكمية تقدر بحوالي 50 ألف طن من وقود الفيول الثقيل، المخصص لشركة كهرباء لبنان (EDL) لتغذية محطات التوليد الكهربائي. كانت هذه الشحنة جزءًا من صفقة توريد وقود حيوية، تهدف إلى تجنب انقطاع كهرباء كامل في البلاد، حيث لا تتجاوز ساعات التيار الكهربائي اليومية الـ12 ساعة في أحسن الأحوال.
لكن سرعان ما تحولت الفرحة بوصول الوقود إلى شكوك خطيرة. في 25 أغسطس، قدمت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية تقريرًا إلى النيابة العامة التمييزية، يفيد بأن الوقود قد يكون مغشوشًا، وأن الوثائق المرافقة للشحنة – التي تشير إلى منشأ عراقي – مزورة على الأرجح. الشبهات تركزت على أن الوقود روسي المنشأ، مما يخالف العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تفرض سقفًا سعريًا قدره 45 دولارًا للبرميل على النفط الروسي. ومع ذلك، بيعت الشحنة بسعر أعلى يصل إلى 72 دولارًا للبرميل، مما يثير تساؤلات حول كيفية تجاوز هذه العقوبات.
أجرت وزارة الطاقة فحوصات أولية في مختبرات أوروبية معتمدة، أكدت أن الوقود يتوافق مع المواصفات الفنية المطلوبة. لكن الشكوك في التزوير بقيت قائمة، مما دفع القضاء اللبناني إلى إصدار قرار بحجز السفينة مؤقتًا، ومنع تفريغ الحمولة حتى اكتمال التحقيقات. كانت الشحنة مدعومة بخطاب اعتماد من بنك JP Morgan، ضمن اتفاق تبادل نفطي مع العراق، مما يضيف طبقة إضافية من التعقيد إلى الصفقة.
الهروب الفاشل: ليلة الـ13 سبتمبر ودور الجمارك
رغم الحجز القضائي، حدث ما لم يكن متوقعًا. أفادت مصادر قضائية وأمنية أن مدير عام الجمارك اللبناني سلم جوازات سفر الطاقم – البالغ عددهم 22 شخصًا من جنسيات متنوعة – إليهم، مما سمح للسفينة بمحاولة الفرار. يُعتقد أن هذا التصرف كان جزءًا من محاولة للتغطية على مخالفات محتملة في الصفقة، حيث تورطت الشركة الموردة في صفقات وقود سابقة مثيرة للجدل في لبنان.
في ليلة 12-13 سبتمبر، غادرت “هوك III” ميناء جية متجهة نحو البحر المفتوح، على بعد حوالي 30 ميلاً بحريًا من الساحل اللبناني. أطفأ الطاقم رادار السفينة لتجنب الكشف، في محاولة واضحة للهروب من المصادرة القضائية والتحقيق في التزوير. السبب الرئيسي، حسب تحليلات أولية، هو تجنب الخسائر المالية الهائلة للشركة المالكة والموردة، بالإضافة إلى إخفاء أي تورط في مخالفة العقوبات الدولية. هناك اتهامات أولية بأن بعض المسؤولين في الجمارك أو وزارة الطاقة ساعدوا في تسهيل الهروب، ربما لإخفاء فساد أو مصالح شخصية.
رفض طاقم السفينة الامتثال لأوامر الجيش اللبناني، مما دفع إلى إطلاق طلقات تحذيرية في الهواء. سرعان ما انطلقت عملية مشتركة بين القوات البحرية والجوية، شملت إنزالًا جويًا وبحريًا، أسفرت عن السيطرة على السفينة واعتقال الطاقم كاملاً. أصيب ثلاثة جنود لبنانيين بجروح طفيفة أثناء الاشتباك، وأعيدت السفينة إلى الميناء تحت إشراف قضائي صارم.
التداعيات: من الأزمة الطاقية إلى الضغط السياسي
يأتي هذا الحادث في وقت حرج للبنان، حيث تعتمد شركة كهرباء لبنان على مثل هذه الشحنات لتجنب انهيار الشبكة الكهربائية. إذا ثبت التزوير، قد يؤدي إلى إلغاء العقد مع الشركة الموردة، مما يفاقم الأزمة الطاقية ويؤدي إلى انقطاعات كهربائية كاملة. كما أن أي تورط في مخالفة العقوبات الدولية قد يعرض لبنان وبنك لبنان المركزي لعقوبات أمريكية أو أوروبية، خاصة مع الدفع عبر بنوك دولية كبرى.
على الصعيد الأمني، يبرز الحدث قوة الجيش اللبناني في تنفيذ عمليات معقدة، لكنه يكشف أيضًا عن ثغرات خطيرة في الرقابة على الموانئ والجمارك. أشاد وزير الطاقة جو الصدي بالجيش، قائلاً: “نحن ملتزمون بالقانون، وسننتظر قرارات القضاء”، لكنه طالب بتحقيق فوري في كيفية حصول الطاقم على جوازاتهم رغم الحجز. تم التحقيق مع الطاقم، ومن المتوقع أن تتوسع التحقيقات لتشمل مسؤولين في الجمارك ووزارة الطاقة.
سياسيًا، أثار الحدث موجة من الاتهامات بالفساد، حيث يُتهم بعض المسؤولين بالتغطية على التزوير لصالح شركات معينة. يعكس ذلك مشاكل لبنان المزمنة في قطاع الطاقة، الذي شهد فضائح سابقة مثل صفقات وقود مغشوش في السنوات الماضية. يرى مراقبون أن الحادث قد يضغط على الحكومة لإجراء إصلاحات جذرية، بما في ذلك تعزيز الشفافية والرقابة، خاصة مع الحاجة الملحة للوقود.
هل تكون الحادثة بوابة للإصلاح أم لمزيد من الفضائح؟
ليس حادث “هوك III” مجرد قصة هروب سفينة، بل مرآة تعكس أزمة لبنان العميقة في الطاقة والحوكمة. مع استمرار التحقيقات القضائية، التي قد تكشف المزيد من التفاصيل في الأيام القادمة، يبقى السؤال: هل سيؤدي هذا الحدث إلى كشف شبكة فساد أوسع، أم سيُدار بصمت للحفاظ على الاستقرار الطاقي الهش؟ الإجابة ستحدد مسار قطاع الطاقة اللبناني في الأشهر المقبلة، وسط أنظار الرأي العام والمجتمع الدولي.