لبنان البيئي ينتفض من أجل مغارة الفقمة في عمشيت
وزارة البيئة تتحرّك وجمعية الأرض لبنان ترحّب بقرار وقف الأعمال المخالفة
في تطوّر بيئي لافت يعكس حجم الوعي الوطني تجاه الإرث الطبيعي البحري، أعلنت جمعية الأرض لبنان عن نجاح تحرّكها البيئي الطارئ في إطار حملة Save Our Seals، بعد أن استأنف أحد المتعهّدين أعمال البناء بشكلٍ غير قانوني فوق مغارة فقمة الراهب المتوسطيّة في بلدة عمشيت الساحلية الواقعة إلى الشمال من مدينة جبيل الأثرية.
المغارة التي تُعدّ من أهم الموائل الطبيعية للفقمة المتوسطيّة المهدّدة بالانقراض، شهدت في الأسابيع الأخيرة أعمال حفر وردم أثارت موجة استنكار محلية ودولية، بعدما وجّهت المنظمة التركية SAD-AFAG رسالة إدانة رسمية إلى الوزارات اللبنانية، مؤكّدة أنّ المساس بالموقع يشكّل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية برشلونة لحماية المتوسط.
وأمام هذا الضغط الشعبي والعلمي، أطلقت جمعية الأرض لبنان خلية طوارئ بيئية متكاملة، تواصلت من خلالها مع الوزارات المختصة، وقدّمت ملفات علمية وتقارير ميدانية تثبت المخالفات المرتكبة في العقار رقم ٣٤٥ من منطقة عمشيت. كما حشدت الجمعية دعمًا من منظمات بيئية إقليمية وأصوات ناشطين من لبنان ودول المتوسط، مطالبة بوقف الأعمال فورًا وحماية الموئل البحري التاريخي.
وزارة البيئة تستجيب وتتحرّك رسميًا
في استجابة رسمية وُصفت بأنها انتصار للبيئة والقانون، أعلنت وزارة البيئة اللبنانية في بيان صدر مساء السبت ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٥، أنّ الكشف الميداني الذي أجراه فريقها العلمي أظهر أنّ مشروع البناء فوق مغارة الفقمة يحتاج إلى دراسة تقييم أثر بيئي شاملة (EIA)، وليس مجرّد خطة إدارة بيئية كما كان قد أُجيز سابقًا، معتبرةً ذلك مخالفة واضحة لمرسوم تقييم الأثر البيئي رقم ٨٦٣٣/٢٠١٢.
وأكدت وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين أنّ الوزارة ستوجّه كتابًا رسميًا إلى المدعي العام التمييزي في جبل لبنان لوقف الأعمال فورًا، كما ستُلزم صاحب المشروع بإجراء دراسة تقييم أثر بيئي جديدة وفق الأصول القانونية. وشدّدت الوزيرة على أنّ لبنان ملتزم بحماية موائله الطبيعية، لا سيما تلك التي تحتضن كائنات نادرة ومهددة بالانقراض مثل فقمة الراهب المتوسطيّة التي تمثل رمزًا للتنوّع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط.
جمعية الأرض لبنان: “انتصار العلم على الفوضى”
في بيانها، عبّرت جمعية الأرض لبنان عن فخرها بهذا القرار، معتبرةً إيّاه انتصارًا للعلم والبيئة والقانون، وجاء في البيان:
“نفتخر بالإعلان عن قرار وزارة البيئة التي لبّت النداء وهبّت لحماية فقمة الراهب وموئلها في عمشيت. إنّ هذا القرار الواعي والمسؤول أعاد الثقة بدور الدولة في حماية الطبيعة، وأثبت أنّ صوت العلم يمكن أن ينتصر في النهاية.”
كما وجّهت الجمعية شكرها إلى وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين والفريق العلمي في الوزارة، وإلى كل الخبراء والناشطين وشركاء حملة Save Our Seals في لبنان والمنطقة المتوسطيّة، الذين دعموا هذا التحرك بكل الوسائل القانونية والإعلامية.
وختم البيان برسالة قوية حملت بعدًا إنسانيًا ووطنيًا:
“لا يموت حقّ وراءه مطالب، وصاحب الحقّ سلطان… سلطان… سلطان.”
بين البيئة والقانون… امتحان للدولة اللبنانية
إنّ قضية مغارة الفقمة في عمشيت تتجاوز حدود نزاع عقاري أو خلاف إداري، لتتحوّل إلى اختبار حقيقي لقدرة الدولة اللبنانية على صون تراثها البيئي والالتزام بمواثيقها الدولية. فالموقع لا يمثّل فقط موئلاً طبيعياً نادراً، بل أيضًا شاهدًا على العلاقة العريقة بين الإنسان اللبناني والبحر المتوسط، حيث التنوّع الحيوي هو جزء من هوية المكان وذاكرته.
ويبقى الأمل أن يشكّل هذا الحدث بداية مرحلة جديدة من الإدارة الرشيدة للمناطق الساحلية، وأن تتحوّل مغارة الفقمة في عمشيت إلى محمية بحرية نموذجية تحفظ الحياة، وتعيد للبنان موقعه الريادي في حماية الطبيعة على ضفاف المتوسط.