الموفد الأميركي توماس باراك إلى لبنان

في ظل زيارة الموفد الأميركي توماس باراك إلى لبنان، جاءت مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، لتُسلّط الضوء مجدداً على واحدة من أعقد أزمات لبنان وأكثرها إلحاحاً: أزمة سلاح حزب الله وغياب الدولة.

العودة إلى الوراء… وكأن شيئاً لم يكن

في تحليل لموقف جعجع، يتبدّى شعور عميق بالإحباط من تكرار السيناريوهات القديمة ذاتها التي دمّرت لبنان لعقود. فقد أشار بوضوح إلى أننا نعيش تكراراً مأساوياً لمرحلة الانهيار السياسي والاقتصادي، والتفلت الأمني الذي دمّر القرى وشرّد اللبنانيين، مشدداً على أن لبنان، الذي كان يوماً في طليعة دول المنطقة، أصبح الآن في أسفل سلم الدول من حيث مؤشرات الدولة والاقتصاد والسيادة.

تغوّل غير دستوري وتجاوز للسلطات

يُركّز جعجع في نقده على مسألتين أساسيتين:

  • أولاً، التعدّي على الدستور والمؤسسات، حيث تم تجاهل الحكومة والمجلس النيابي — وهما الجهتان الشرعيتان المخولتان بإدارة السياسة العامة واتخاذ القرارات المصيرية — في الرد اللبناني على المقترحات الأميركية. وقد رأى في ذلك مؤشراً على “حكم الظل” الذي يمارسه حزب الله، في تغييب كامل لمبدأ الفصل بين السلطات.
  • ثانياً، الرضوخ لمطالب حزب الله، إذ اعتبر أن الرد الرسمي اللبناني لا يعكس مصلحة الدولة أو تطلعات شعبها، بل يتماهى بشكل شبه كلي مع موقف الحزب، وكأن الدولة اللبنانية أصبحت رهينة لقراره.

سلاح حزب الله… لم يعد قضية خارجية

في تحوّل لافت في الخطاب السياسي، اعتبر جعجع أن سلاح حزب الله لم يعد مشكلة إسرائيلية أو أميركية، بل مشكلة لبنانية داخلية بامتياز، مؤكداً أن هذا السلاح لم يَعُد يُستخدم لحماية لبنان، بل لتحطيم سيادته وهيبة دولته، ومصادرة قراره الوطني المستقل. كما شدد على أن هذا السلاح هو العقبة الأساس أمام استعادة علاقات لبنان مع المجتمع الدولي، لا سيما دول الخليج، التي أصبحت تربط مساعدتها للبنان بإصلاح وضعه السيادي.

الرسالة إلى الداخل والخارج

رسالة جعجع في هذا السياق واضحة: لا يمكن لأي خطة إنقاذ، اقتصادية كانت أو سياسية أو حتى أمنية، أن تنجح في ظل وجود دولة داخل الدولة. كما أشار ضمناً إلى أن بقاء سلاح حزب الله بهذا الشكل سيجعل من أي اتفاق دولي مجرد ورقة بلا جدوى، وسيفتح الباب أمام المزيد من الانهيار وربما المواجهات الداخلية أو مع الخارج.

يأتي موقف جعجع في لحظة دقيقة، حيث يسعى المجتمع الدولي لإعادة التواصل مع لبنان، فيما تستمر السلطة الحالية في اتباع سياسة التواطؤ أو الضعف تجاه النفوذ المسلح داخل الدولة. ويبدو أن جعجع، من خلال هذه التصريحات، يسعى إلى إطلاق جرس إنذار أخير: إما استعادة الدولة، أو السقوط النهائي.

تؤكد مواقف جعجع أن معركة لبنان اليوم ليست فقط مع الانهيار المالي أو الأزمات الاجتماعية، بل مع مفهوم الدولة ذاته. ومع زيارة توم براك، يبدو أن لبنان يقف أمام لحظة اختبار حاسمة: هل ما زال قادراً على اتخاذ قراره الحر، أم أنه أصبح رهينة سلاح غير شرعي يتحكّم بمصيره؟

Join Whatsapp