لبنان في مرمى البيت الأبيض

بقلم ليلى ناصر وكالة أسنا للأخبار ASNA

لم يعد لبنان، في نهاية عام 2025، مجرد ساحة إقليمية للصراع بالوكالة، بل تحول إلى ملف رئاسي مباشر على طاولة الرئيس دونالد ترامب. ما يجري اليوم في أروقة البيت الأبيض ليس مجرد متابعة روتينية لملف لبناني، بل حملة منسقة متعددة الأذرع تهدف إلى إعادة رسم الخريطة السياسية اللبنانية قبل الاستحقاق النيابي في مايو 2026. هذه الحملة تجمع بين الضغط المالي، الدبلوماسي، والعسكري غير المباشر، وتستند إلى ثلاثة افتراضات أمريكية أساسية:

أولاً: حزب الله لم يُهزم عسكرياً، بل تعزز سياسياً

رغم الضربات الإسرائيلية المتواصلة منذ أكتوبر 2023، ورغم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، فإن حزب الله نجح في:

  • الحفاظ على بنيته التنظيمية الأساسية.
  • توسيع نفوذه في المناطق الشيعية عبر الخدمات الاجتماعية في ظل انهيار الدولة.
  • تحويل الحرب إلى “انتصار معنوي” داخل بيئته الحاضنة.

لهذا السبب، غيّرت إدارة ترامب استراتيجيتها من “احتواء” الحزب إلى “تفكيكه” سياسياً واقتصادياً قبل أن يتحول إلى قوة مهيمنة في أي انتخابات قادمة.

ثانياً: الجيش اللبناني هو الورقة الوحيدة المقبولة أمريكياً وإسرائيلياً

زيارة الرئيس جوزيف عون إلى واشنطن، وتأكيده على خطة نشر الجيش في الجنوب ونزع السلاح غير الشرعي بحلول نهاية 2025، ليست مجرد خطاب رسمي. إنها الخطة الأمريكية-الإسرائيلية المقبولة لتجنب حرب شاملة جديدة.
البيت الأبيض يراهن على الجيش كبديل وحيد عن حزب الله في الجنوب، وكضامن لتنفيذ القرار 1701، لكن المشكلة أن هذه الخطة تحتاج إلى:

  • تمويل أمريكي ضخم (يتجاوز المليار دولار سنوياً).
  • موافقة سياسية داخلية لبنانية (غائبة حتى الآن).
  • ضوء أخضر من حزب الله (مستبعد تماماً).

ثالثاً: العقوبات المالية هي السلاح الأخطر

أخطر ما حدث في نوفمبر 2025 ليس الغارات الإسرائيلية، بل قرار وزارة الخزانة الأمريكية بتوسيع نطاق العقوبات ليشمل:

  • شبكات تحويل الأموال الإيرانية عبر لبنان.
  • شخصيات سياسية ومالية شيعية بارزة (بعضها لم يُعلن عنها بعد).
  • تهديد ضمني بتجميد أرصدة مصرف لبنان إذا استمر “التساهل” مع الحزب.

هذا الضغط المالي يهدف إلى خلق انقسام داخل البيئة الشيعية نفسها بين “المتضررين اقتصادياً” و”المنتفعين من المقاومة”، وهي استراتيجية نجحت جزئياً في العراق.

المشهد اللبناني الفعلي

  1. حكومة نواف سلام في موقف هش
    رئيس الحكومة يحظى بدعم أمريكي وخليجي واضح، لكنه لا يملك أدوات تنفيذية حقيقية. الوزراء المحسوبون على حزب الله والتيار الوطني الحر يعرقلون أي قرار يمس “المقاومة”، مما يجعل الحكومة رهينة بين المطرقة الأمريكية والسندان الداخلي.
  2. المعارضة المسيحية والسنية تكسب الوقت
    زيارة سامي الجميل، وتحركات القوات اللبنانية والمستقلين الجدد، تعكس محاولة لاستغلال الضغط الأمريكي لإعادة ترتيب الأوراق قبل 2026. لكن هذه القوى تعاني من انقسامات داخلية وغياب قيادة موحدة.
  3. الشيعة السياسيون في أصعب امتحان منذ 2005
    للمرة الأولى منذ اغتيال رفيق الحريري، يواجه الثنائي الشيعي ضغطاً أمريكياً مباشراً ومنسقاً مع إسرائيل، مع تراجع الدعم الإيراني بسبب الوضع السوري الجديد (حكومة أحمد الشرع). هذا يضع حركة أمل وحزب الله أمام خيارين مرّين:
  • القبول بتسوية تاريخية (نزع السلاح مقابل ضمانات سياسية).
  • المواجهة، مع مخاطر عالية على البيئة الحاضنة اقتصادياً وأمنياً.

السيناريوهات المحتملة حتى مايو 2026

أ. سيناريو التسوية الكبرى (احتمال 30%)
نزع تدريجي للسلاح جنوب الليطاني، مقابل رفع العقوبات، إعادة إعمار، وتأجيل الانتخابات إلى 2027 مع حكومة انتقالية.

ب. سيناريو التصعيد المُدار (احتمال 50%)
استمرار الغارات الإسرائيلية المحدودة، تصعيد العقوبات، وتأجيل الانتخابات بسبب “الظروف الأمنية”، مع بقاء الوضع معلقاً.

ج. سيناريو الفوضى (احتمال 20%)
رفض حزب الله أي تنازل، عودة الاغتيالات، انهيار اقتصادي كامل، وتدخل دولي مباشر (فرنسي-أمريكي) تحت الفصل السابع.

لبنان في نوفمبر 2025 ليس في مرحلة انتقالية، بل في لحظة “إعادة تأسيس” قسرية تُفرض من الخارج. البيت الأبيض لم يعد يراهن على “استقرار لبنان” بل على “لبنان بدون حزب الله مسلح”. هذه المعادلة قد تنجح في إضعاف الحزب عسكرياً وسياسياً، لكنها تحمل مخاطر تفكك الدولة نفسها إذا لم يُصاحبها مشروع وطني داخلي جامع.
حتى الآن، الضغط الأمريكي نجح في كسر الجمود، لكنه لم يخلق بعد بديلاً لبنانياً مقنعاً. وهذا هو التحدي الحقيقي للأشهر الستة المقبلة: هل سينتج لبنان من تحت الضغط دولة أقوى، أم مجرد فراغ جديد؟
التاريخ يعلّمنا أن لبنان نادراً ما يخرج من الأزمات الكبرى موحداً، لكنه دائماً يخرج مختلفاً. والفرق هذه المرة أن القرار لم يعد في بيروت فقط، بل في واشنطن أولاً، وتل أبيب ثانياً.

Join Whatsapp