عمشيت (جبل لبنان) – ASNA وكالة أسنا للأخبار | 9 نوفمبر 2025
أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في جبيل، برتا سماحة، في 4 نوفمبر 2025، قرارًا يقضي بوقف فوري لجميع أعمال الحفر والبناء على العقار رقم 345/عمشيت، الواقع مباشرة فوق مغارة بحرية تُعرف بـ”مغارة الفقمة”، وذلك لحين إجراء كشف خبير من النيابة العامة التمييزية وإنهاء التحقيقات. يفرض القرار غرامة إكراهية قدرها 200 مليون ليرة لبنانية يوميًا في حال التأخير.
خلفية الموقع
تُعد مغارة الفقمة في عمشيت أحد الموائل القليلة المتبقية للفقمة الراهبة المتوسطية (Monachus monachus) على الساحل اللبناني. يصنّف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) هذا النوع ضمن الفئة “المهددة بالانقراض بشكل خطير” (Critically Endangered)، مع أقل من 700 فرد متبقٍ عالميًا، وفقًا لتقديرات 2023. وثّقت جمعية “الأرض – لبنان” ظهور الفقمة داخل المغارة في أعوام 2021 و2023 عبر تسجيلات مصوّرة.
تسلسل زمني للأحداث
- 14 أكتوبر 2025: بدء أعمال حفر على العقار 345 باستخدام جرافات، ما أثار مخاوف من انهيار سقف المغارة. أطلق المهندس فريد أبي يونس، أحد سكان عمشيت والناشط البيئي المحلي، حملة إعلامية عاجلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، موثقًا الانتهاكات بصور وفيديوهات، ومؤكدًا وجود مغارة ثانية مجاورة تضع المشروع بين مغارتين طبيعيتين تشكلان ملجأً للفقمة المهددة بالانقراض. 0 أعلن أبي يونس عن بدء حملة لتحويل الشاطئ إلى محمية طبيعية بيئية وسياحية، ليستفيد منها أهالي عمشيت ومنطقة جبيل.
- 20 أكتوبر 2025: أصدرت وزيرة البيئة تمارا الزين كتابًا رسميًا (رقم 154/ب/2025) إلى رئيس محكمة التمييز، تطالب فيه بوقف الأعمال حتى إنجاز دراسة تقييم الأثر البيئي وفق المرسوم 8633/2012. وُجّه الكتاب أيضًا إلى محافظ جبل لبنان، بلدية عمشيت، ووزارتي الأشغال والثقافة. جاء هذا الكتاب ردًا على شكوى قدمها أبي يونس إلى الوزارة، مطالبًا بحماية المغارة والأملاك البحرية العامة من أعمال الحفر الثقيلة التي تشكل تهديدًا مباشرًا لبنيتها.
- 21 أكتوبر 2025: استمرار الأعمال رغم الكتاب الوزاري، مع تنظيم اعتصام من ناشطين بيئيين أمام الموقع. أصدرت منظمة SAD-AFAG التركية بيانًا يدين الأعمال ويحذر من تداعياتها على التنوع البيولوجي. حضر بول أبي راشد، رئيس جمعية “الأرض – لبنان” والناشط البيئي، إلى الموقع وقرأ الكتاب الوزاري أمام رئيس بلدية عمشيت جوزيف خوري ومحامي المتعهد والقوى الأمنية، مطالبًا بتنفيذه فورًا لوقف “الاعتداء الصارخ على القانون والطبيعة”. 12 كما وجه أبي راشد نداءً عاجلاً إلى رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، مشددًا على “تقاعس القضاء والوزارات والسلطة المحلية” في تطبيق قرار الوزيرة، ووصف الانتهاك بأنه “ضربة للسيادة البيئية الوطنية”.
- 26-31 أكتوبر 2025: تقارير فنية من جمعية “الأرض – لبنان” تُظهر تشققات في سقف المغارة وارتفاع مستوى الضجيج إلى 120 ديسيبل، وهو ما يتجاوز الحدود الآمنة للثدييات البحرية. تعاون أبي يونس مع أبي راشد في تقديم إخبار إلى النيابة العامة البيئية (رقم 15230/م)، مطالبين بإبطال رخصة البناء وتعديلاتها، مع الاستناد إلى مخالفات قانونية وبيئية، بما في ذلك عدم إجراء دراسة أثر بيئي.
- وثّق أبي راشد في تصريحاته لوسائل إعلامية استمرار النظر في شكوى سابقة قدمتها الجمعية أمام مجلس شورى الدولة لمدة عام ونصف، قبل إبطالها لأسباب إجرائية دون الخوض في المضمون، مشيرًا إلى تأكيد خبير على صحة تسجيلات وجود الفقمة داخل المغارة.
- 4 نوفمبر 2025: صدور قرار القاضية سماحة، بناءً على مراجعة قدمتها النائبة نجاة عون صليبا والناشط فريد أبي يونس، بوكالة المحامي شكري حداد وبالتعاون مع المعهد الاجتماعي الاقتصادي للتنمية.
- 5-9 نوفمبر 2025: توقف جزئي للأعمال بفعل اعتصام مستمر لناشطين، مع استمرار الضغط لضمان التنفيذ الكامل. سُجّل اعتداء بالضرب على أبي يونس من قبل أحد المتعهدين أثناء الاعتصام، مما يعكس تصعيدًا في التوترات.
الإطار القانوني والبيئي
يُلزم المرسوم 8633/2012 أي مشروع في منطقة حساسة بيئيًا بتقديم دراسة تقييم أثر بيئي (EIA) قبل البدء. لم يُقدّم صاحب العقار أي دراسة، وفقًا لمصادر في وزارة البيئة. كما يُصنّف الشاطئ المجاور ضمن الأملاك البحرية العامة بموجب القانون 146/1959، ما يحظر أي بناء دون ترخيص خاص. أكد أبي راشد في تصريحاته أن “وضع خطة إدارة بيئية” لا يُغني عن الالتزام بالدراسات، واصفًا رفض النظر في جوهر الشكاوى بـ”فضيحة قانونية وبيئية”.
أهمية الدراسات البيئية
تُظهر تقارير دولية (UNEP, 2024) أن 68% من المشاريع الساحلية في شرق المتوسط تُنفّذ دون دراسات أثر، ما يؤدي إلى:
- فقدان 12% من الموائل البحرية سنويًا.
- انخفاض أعداد الأنواع المهددة بنسبة 40% خلال عقدين.
في لبنان، أُنجزت 47 دراسة EIA فقط بين 2019 و2024، من أصل 312 مشروعًا يتطلب القانون دراستها، وفق إحصاءات وزارة البيئة.
سياق الأزمات البيئية في لبنان
تأتي قضية عمشيت ضمن سلسلة انتهاكات:
- خصخصة الشواطئ: خسر لبنان 65 كم من الشواطئ العامة منذ 1990 (تقرير البنك الدولي، 2023).
- التلوث البحري: 82% من مياه الصرف الصحي تُصبّ دون معالجة (UNDP, 2024).
- المقالع غير المرخصة: 712 مقلعًا تعمل خارج القانون، أتت على 18% من الغطاء النباتي في جبل لبنان (وزارة الزراعة، 2025).
تفتقر وزارة البيئة إلى 12 مفتشًا ميدانيًا فقط لتغطية البلاد، مع ميزانية تشغيلية لا تتجاوز 1.2 مليون دولار سنويًا.
ردود الفعل
- النائبة نجاة صليبا: وصفت القرار القضائي بـ”الخطوة الأولى”، داعية إلى تحويل الموقع إلى محمية بحرية.
- بلدية عمشيت: أكدت أن الأعمال توقفت مؤقتًا بانتظار الإجراءات القانونية.
- جمعية الأرض – لبنان: طالبت بتدقيق عقاري شامل للعقار 345 ومحاسبة المخالفين، مع الإشارة إلى تقديم مراجعة جديدة أمام مجلس شورى الدولة في 28 أكتوبر 2025 لإبطال الرخص. 16
- فريد أبي يونس وبول أبي راشد: أكدا في تصريحات مشتركة أن التعاون بين الناشطين المحليين والجمعيات هو مفتاح الحماية، محذرين من أن “الفقمة هجرت الموقع جزئيًا بسبب الضجيج والتلوث”.
التوصيات
- تنفيذ فوري لقرار المحكمة عبر مفرزة الشواطئ البحرية.
- إلزام كل مشروع ساحلي بدراسة EIA علنية مع جلسات استماع عامة.
- إنشاء وحدة رقابة بحرية مشتركة بين الجيش ووزارة البيئة.
- تخصيص صندوق وطني لمراقبة الأنواع المهددة بالانقراض.
تُبقي القضية مفتوحة على مستويات قضائية وبيئية، فيما يواصل ناشطون اعتصامهم لضمان عدم استئناف الأعمال.



