زيارة لاريجاني إلى لبنان: رسائل متبادلة وحدود السيادة اللبنانية
شهد لبنان مؤخراً زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاريجاني، في توقيت بالغ الحساسية داخلياً وإقليمياً. الزيارة، التي جاءت وسط تصاعد التوترات في المنطقة، حملت معها حزمة من الرسائل السياسية والدبلوماسية، كان أبرزها ما صدر عن رئيس الحكومة نواف سلام خلال لقائه الضيف الإيراني، في تصريح اتسم بالوضوح والحزم، ووضع خطوطاً حمراء للعلاقات اللبنانية – الإيرانية.
مضمون الموقف اللبناني
سلام، الذي اختار لغة مباشرة وصريحة، أبلغ لاريجاني رفض لبنان القاطع للتصريحات الأخيرة الصادرة عن بعض المسؤولين الإيرانيين، معتبراً إياها خروجاً عن الأصول الدبلوماسية وانتهاكاً لمبدأ احترام السيادة المتبادل. ولفت إلى أن الانتقادات العلنية لقرارات لبنانية، بل وصدور تهديدات صريحة، تمثل تجاوزاً لا يمكن القبول به. هذه اللهجة غير المواربة عكست رغبة الحكومة في تأكيد استقلالية القرار الوطني وإبعاد لبنان عن منطق الإملاءات الخارجية.
تأكيد على الثوابت الوطنية
في موازاة الموقف السيادي، حرص سلام على التذكير بتاريخ لبنان النضالي في دعم القضية الفلسطينية، ودفعه أثماناً باهظة في مواجهة إسرائيل. لكنه شدد على أن هذا التاريخ لا يعني حاجة البلاد إلى “دروس” من أحد، مؤكداً أن الحكومة ماضية في استخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة ووقف اعتداءاتها. بهذا، ربط سلام بين الدفاع عن الحقوق الوطنية والقضية الفلسطينية، وبين الحفاظ على استقلال القرار اللبناني.
رسائل إلى الداخل والخارج
خلال دردشة مع الصحفيين، أضاف سلام بعداً آخر لموقفه، مشيراً إلى أن لبنان بلد صغير عانى طويلاً من التدخلات الخارجية، وحان الوقت لطي هذه الصفحة. عبارته “أهل مكة أدرى بشعابها” جاءت كإشارة واضحة إلى أن القضايا الداخلية اللبنانية يجب أن تُدار محلياً، بعيداً عن التوظيف الإقليمي أو أن يتحول لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات.
قراءة في التوقيت والرسائل
تأتي هذه التصريحات في وقت يتعرض فيه لبنان لضغوط سياسية واقتصادية وأمنية متشابكة، وسط انقسام داخلي حول علاقاته الإقليمية والدولية. الموقف الحازم من سلام قد يكون موجهاً لثلاثة أطراف في آن واحد:
- إيران: لإعادة ضبط إيقاع العلاقة على قاعدة احترام السيادة.
- الداخل اللبناني: لتثبيت صورة الحكومة كجهة مستقلة القرار.
- المجتمع الدولي: لإظهار أن لبنان لا يقبل أن يكون امتداداً لأي محور إقليمي.
زيارة لاريجاني إلى لبنان لم تمر بروتوكولياً فحسب، بل تحولت إلى مناسبة لتحديد أسس التعامل بين بيروت وطهران. الرسالة التي أراد سلام إيصالها واضحة: لبنان منفتح على التعاون، لكن على قاعدة الندية واحترام السيادة، وبما يخدم مصالحه الوطنية أولاً وأخيراً.