بقلم: ليلى ناصر
لم تكن يمنى شري مجرّد إعلامية أو ممثلة عابرة على شاشاتنا، بل كانت روحًا تنبض بحب الحياة، تحمل في صوتها دفء الأمومة، وفي حضورها طمأنينة الأخت، وفي بسمتها إشراقة صديقة لا تعرف كيف تُخفي مشاعرها. كانت إنسانة صادقة، شفافة، وقريبة من قلوب الناس إلى درجة أنك تشعر أنها من أفراد عائلتك.
البدايات: طفلة بيروتية تحلم بالكلمة والصورة
وُلدت يمنى في بيروت عام 1970، في مدينة تعلّمت منها ضجيج الحرب بقدر ما تعلّمت منها قيمة الفرح. منذ طفولتها، حملت شغفًا بالقصص، بالكلمة المسموعة، وبسحر الشاشة الصغيرة. درست الإعلام في الجامعة اللبنانية، وتخصّصت في الإذاعة والتلفزيون، كما درست الأدب الفرنسي في جامعة القدّيس يوسف، لتجمع بين الثقافة واللغة والفن.
من الميكروفون إلى الكاميرا
بدأت خطواتها الأولى من خلال إذاعة “صوت الشعب”، حيث اكتشف المستمعون صوتًا دافئًا وصادقًا. لم يكن صوتها صارخًا ولا متكلّفًا، بل كان يشبه فنجان قهوة في صباح بارد: بسيط، عميق، ومليء بالحنين.
انتقلت لاحقًا إلى التلفزيون، وكانت محطة “المستقبل” نافذتها الواسعة نحو الجمهور، حيث قدّمت برامج منوّعة، جمعت بين الثقافة والفن والترفيه. اشتهرت ببرنامجها “القمر عالباب”، الذي صار علامة فارقة في مسيرتها. ثم تنقّلت بين المحطات، لتطلّ عبر قناة “الجديد” وغيرها.
الوجه الآخر: الممثلة التي أسرَت القلوب
لم يقتصر شغف يمنى على التقديم والإعلام، بل دخلت عالم التمثيل بخطوات واثقة. جسّدت شخصيات أحبّها الجمهور في أعمال مثل “حياة سكول” و”الباشا” و”هند خانم”. في التمثيل، كما في التقديم، بقيت يمنى نفسها: صادقة، طبيعية، قريبة من القلب.
إنسانة قبل كل شيء
من يعرفها عن قرب يقول إنها كانت تحب وردة دوّار الشمس، تلك الزهرة التي تبحث دومًا عن النور، كأنها تشبهها في رحلتها. كانت تعشق التفاصيل الصغيرة: ضحكة ابن، كلمة صديق، جلسة عائلية دافئة. لم تنشغل كثيرًا بالشهرة أو الأضواء، بل ظلّت تركّز على المعنى الإنساني لكل ما تفعله.
المرض… والامتحان الأصعب
في سنواتها الأخيرة، تعرّضت يمنى لسلسلة من الأزمات الصحية. أصيبت بجلطة دماغية تعافت منها، لكن القدر كان يخفي محنة أشدّ قسوة. اكتشف الأطباء إصابتها بمرض سرطان الرئة، بعدما كان قد استفحل في جسدها بصمت.
واجهت المرض بشجاعة نادرة، لكن جسدها لم يحتمل المعركة الطويلة. بقيت رغم الألم تحاول أن تزرع حولها ابتسامة، كأنها تخفي وجعها عن من تحبّ.
الاغتراب والوداع
استقرّت في كندا مع عائلتها في سنواتها الأخيرة، ربما لتكون قريبة من رعاية طبية أفضل، وربما لأن الغربة كانت قدرها الأخير. لكنها حتى هناك، ظلّت في قلوب اللبنانيين والعرب، يذكرون صوتها وبرامجها وأدوارها وصدقها.
في صباح 18 أيلول/سبتمبر 2025، أسدل القدر الستار على حياتها القصيرة الطويلة، عن عمر 55 عامًا. رحلت يمنى شري بهدوء، تاركة في قلوب محبّيها فراغًا لا يملؤه أحد.
إرث لا يُمحى
يمنى شري لم تكن مجرّد إعلامية لبنانية رحلت، بل كانت مدرسة في الإنسانية والبساطة والصدق. لم تترك وراءها ثروة ولا ضجيج فضائح، بل تركت أثرًا نقيًّا، يشبه أثر الشمس على وجه زهرة عباد الشمس.
رحلت يمنى، لكن صوتها وصورتها وبرامجها ستبقى حيّة، شاهدة على زمن إعلامي نظيف وصادق نفتقده اليوم.