في خطاب جديد أثار موجة واسعة من الانتقادات داخل الولايات المتحدة وخارجها، شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً عنيفاً على الجالية الصومالية في البلاد، وعلى النائبة الديمقراطية إلهان عمر، متبنياً خطاباً يوصف بأنه الأكثر حدّة تجاه واحدة من أكبر الجاليات المهاجرة في ولاية مينيسوتا.
وخلال كلمته، وصف ترامب الصومال بأنها «بالكاد دولة»، وزعم أن الصوماليين «لا يملكون أي شيء، ويقتلون بعضهم البعض، ولا وجود لأي هيكل للدولة». وفي تصعيد شخصي ضد النائبة إلهان عمر، قال الرئيس إنه كان يراقبها «لعدة سنوات»، وإنها – بحسب تعبيره – «لا تتوقف عن الشكوى من الدستور الأميركي»، واصفاً إياها بأنها «غير كفؤة» و*«شخص سيئ للغاية»*، ومتهماً إياها بـ«كره الجميع، وخصوصاً اليهود».
ثم انتقل الرئيس لاتهام الجالية الصومالية في مينيسوتا بـ«سرقة الولاية»، مدعياً أن عمليات الاحتيال في برامج المساعدات الاجتماعية تصل إلى «مليارات الدولارات كل عام»، وأن مستوى الاعتماد على المساعدات بينهم يناهز «88 بالمئة». كما قال بصراحة:
«لا أريدهم في بلدنا… بلدهم سيئ ونتن… ولا نريدهم هنا.»
هذه التصريحات، التي تحمل طابعاً إقصائياً مباشراً، جاءت في سياق سياسي مشحون، ما دفع العديد من المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت جزءاً من استراتيجية انتخابية محسوبة أو تعبيراً عن أزمة أعمق تتعلق بالهوية الوطنية الأميركية.
التوتر بين ترامب والجالية الصومالية… جذور سياسية وانتخابية
١. قاعدة انتخابية ديمقراطية وخطاب موجّه للناخبين المحافظين
تُعد الجالية الصومالية – وخصوصاً في مينيسوتا – واحدة من أكثر المجتمعات دعماً للحزب الديمقراطي. ولهذا السبب، يُنظر إلى استهدافها من قبل ترامب كجزء من معركة انتخابية تهدف إلى تحفيز القاعدة الجمهورية، وخاصةً تلك التي ترى في الهجرة تهديداً اقتصادياً أو ديموغرافياً.
كما أن تركيز ترامب على ملفات الهجرة بعد حوادث عنف متفرقة ارتبطت بمهاجرين، يعزز تفسير أن الهجوم سياسي بامتياز، يهدف إلى إعادة إنتاج التحالف الانتخابي الذي أوصله إلى السلطة سابقاً: تحالف قائم على التخوف من المهاجرين، والنزعة القومية، ورفض “النخبوية” الديمقراطية.
٢. إلهان عمر: الرمز السياسي الذي يستفز الخطاب اليميني
تمثل إلهان عمر قصة نجاح الهجرة الأميركية: لاجئة صومالية وصلت طفلة، تعلمت، تقدمت، وانتُخبت عضواً في الكونغرس. هذا المسار بحد ذاته يتحدى سرديات ترامب حول “فشل الهجرة”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مواقف عمر التقدمية – سواء بشأن السياسات الداخلية، العدالة الاجتماعية، أو السياسة الخارجية – جعلتها صوتاً بارزاً في الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، مما وضعها في صدام مباشر مع الخطاب القومي المحافظ الذي يتبناه ترامب وأنصاره.
اتهامات جماعية… ومخاطر خطاب التعميم
ينطوي اتهام جالية بأكملها بالاحتيال أو “سرقة الولاية” على أبعاد خطيرة. إذ يفتح الباب أمام:
- التنميط العرقي،
- التأجيج الاجتماعي،
- العنف السياسي،
- وتقويض مبدأ المساواة أمام القانون.
قادة الجالية الصومالية قالوا إن تصريحات الرئيس تضعهم في «حالة طوارئ» دائمة، إذ يخشون أن يؤدي التعميم إلى مضايقات، عنصرية، أو استهداف جماعي، رغم أن قضايا الفساد أو سوء استخدام المساعدات – إن وجدت – هي قضايا فردية وليست سمة لمجتمع كامل.
تداعيات سياسية واجتماعية أوسع
١. القرار بإلغاء الحماية المؤقتة (TPS)
إحدى الخطوات التي فاقمت التوتر كانت إنهاء وضع الحماية المؤقتة لبعض الصوماليين في مينيسوتا، ما يهدد بإعادة توطين أشخاص عاشوا في الولايات المتحدة لسنوات طويلة ولهم أعمال وعائلات مستقرة.
٢. تلوث الخطاب العام
اعتماد روايات غير دقيقة أو مبالغ فيها حول “الاحتيال” يعمّق الانقسام داخل المجتمع الأميركي، وينقل النقاش من محاسبة أفراد ارتكبوا مخالفات إلى إدانة مجتمع كامل، وهو ما يفقد الحوار السياسي توازنه.
٣. أثر مباشر على الاندماج
تصاعد الخطاب العدائي قد يدفع بعض الجاليات إلى الانغلاق، وتجنب المشاركة السياسية أو المدنية، خوفاً من الاستهداف.
هل نحن أمام معركة انتخابية… أم إعادة تشكيل للهوية الأميركية؟
تصريحات ترامب لا يمكن فصلها عن السباق الانتخابي، لكنها في الوقت ذاته تُظهر تحولاً في السجال الأميركي حول الهجرة والهوية. فالهجوم على الصوماليين وإلهان عمر يعكس رؤية تعتبر بعض المجموعات “غير متجانسة” مع الهوية الأميركية، رغم أن هذه الجاليات تمثل جزءاً مهماً من التنوع الذي بُنيت عليه الولايات المتحدة.
إن ما يجري لا يتعلق بخلاف سياسي عابر، بل يتعلق بالكيفية التي سيُعرّف بها الأميركيون أنفسهم في السنوات القادمة:
هل هي دولة المهاجرين وبلد التعددية؟
أم دولة مغلقة تعيد رسم حدودها بناءً على العرق والأصل والدين؟
إن التوتر الحاصل بين الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب والجالية الصومالية، وما يتبعه من هجوم مستمر على النائبة إلهان عمر، يحمل دلالات تتجاوز الخطاب السياسي التقليدي. فهو يختبر قدرة المجتمع الأميركي على حماية قيمه الأساسية:
الحرية، المساواة، التعددية، وسيادة القانون.
ومهما كان الهدف السياسي من هذا التصعيد، فإن تداعياته على النسيج الاجتماعي الأميركي لا يمكن تجاهلها. فالمجتمع الذي يشيطن جزءاً من نفسه يفقد شيئاً من تماسكه، ومن رؤيته المشتركة للمستقبل.



