أثار إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب في 16 ديسمبر 2025 عن توسيع حظر السفر إلى الولايات المتحدة موجة واسعة من الجدل، ليس فقط بسبب اتساع رقعة الدول المشمولة، بل بسبب التأثير العميق الذي يتركه القرار على ملايين المهاجرين وأفراد الجاليات المرتبطة بتلك الدول داخل الولايات المتحدة. فبينما تبرر الإدارة القرار بدواعٍ أمنية، ترى قطاعات واسعة من المجتمع المدني أن الكلفة الإنسانية والاجتماعية تفوق المكاسب المعلنة.
أولاً: من القرار السياسي إلى الواقع الاجتماعي
يُعد هذا التوسع الأكبر منذ إطلاق سياسة “حظر السفر” لأول مرة عام 2017، حيث ارتفع عدد الدول الخاضعة لقيود كاملة أو جزئية إلى نحو 39 دولة. اللافت أن جزءاً كبيراً من هذه الدول يقع في أفريقيا والشرق الأوسط، ما يعيد إلى الواجهة اتهامات قديمة بأن السياسة تستهدف دولاً بعينها على أساس ديني أو عرقي أكثر من كونها تستند إلى تقييم أمني محض.
لكن التأثير الحقيقي لا يبدأ عند الحدود، بل داخل المدن الأميركية نفسها، حيث تعيش جاليات ممتدة منذ عقود، باتت اليوم مهددة بالانقسام العائلي والعزلة الاجتماعية.
ثانياً: الجاليات العربية والأفريقية… العائلة أول الضحايا
بالنسبة للجاليات السورية والفلسطينية، يشكّل القرار ضربة مباشرة لمسارات لمّ الشمل العائلي. آلاف العائلات في ولايات مثل ميشيغان، خصوصاً في ديترويت وديربورن، تعتمد على برامج الهجرة العائلية لضم الأزواج أو الأبناء أو الوالدين. الحظر الكامل يعني عملياً تجميد هذه الملفات إلى أجل غير مسمى.
كما أن فرض حظر على حاملي وثائق السلطة الفلسطينية يخلق وضعاً قانونياً معقّداً، إذ يحرم فئة كاملة من حق التقدم لتأشيرات، حتى في الحالات الإنسانية أو الطبية، ما يزيد من شعور التهميش لدى الجالية الفلسطينية الأميركية.
أما الجاليات الأفريقية من دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فإن القرار يفاقم صعوبات قائمة أصلاً، حيث تعتمد هذه الجاليات على الهجرة التعليمية أو العائلية كوسيلة أساسية لتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثاً: الأثر النفسي والاقتصادي داخل الولايات المتحدة
لا يقتصر التأثير على من هم خارج البلاد. فالمقيمون والمواطنون الأميركيون من أصول تلك الدول يعيشون حالة قلق دائم من توسّع القيود مستقبلاً أو المساس بأوضاعهم القانونية. هذا القلق ينعكس على:
- الاستقرار النفسي: شعور بالوصم الجماعي وربط الهوية الأصلية بمخاطر أمنية.
- الاقتصاد المحلي: الجاليات المتأثرة تملك آلاف المشاريع الصغيرة، من مطاعم ومتاجر إلى شركات خدمات. أي شعور بعدم الاستقرار القانوني يحدّ من الاستثمار والتوسع.
- المشاركة المدنية: تتراجع ثقة هذه الجاليات بالمؤسسات الحكومية، ما يقلل من اندماجها السياسي والاجتماعي.
رابعاً: بين الأمن القومي والتمييز المقنّع
تستند الإدارة الأميركية إلى مبررات مثل ضعف أنظمة التحقق، أو نشاط جماعات متطرفة، أو ارتفاع نسب تجاوز مدة التأشيرات. غير أن منتقدي القرار يرون أن العقاب جماعي، ويطال أفراداً لا علاقة لهم بأي نشاط أمني، بل يشمل طلاباً، مرضى، وأقارب لمواطنين أميركيين.
كما أن الاعتماد على معايير فضفاضة، مثل “غياب سلطة مركزية كافية”، يفتح الباب أمام توسيع الحظر مستقبلاً ليشمل دولاً إضافية، ما يخلق سابقة خطيرة في سياسات الهجرة الأميركية.
خامساً: التداعيات السياسية طويلة المدى
داخلياً، من المتوقع أن يتحول القرار إلى قضية انتخابية ساخنة، خاصة في ولايات تضم كثافة من الجاليات المتضررة. شخصيات سياسية، مثل النائبة رشيدة طليب، عبّرت بوضوح عن رفضها للسياسة ووصفتها بأنها امتداد لنهج “عنصري وإقصائي”.
أما خارجياً، فإن توسيع الحظر قد يضعف صورة الولايات المتحدة كدولة هجرة، ويؤثر على علاقاتها مع دول شريكة، خاصة في أفريقيا، حيث تسعى واشنطن إلى مواجهة نفوذ قوى دولية أخرى.
يعكس توسيع حظر السفر توجهاً واضحاً نحو تشديد سياسات الهجرة تحت عنوان الأمن القومي، لكنه في المقابل يفرض ثمناً إنسانياً واجتماعياً باهظاً على الجاليات داخل الولايات المتحدة. وبينما يبقى القرار قانونياً في إطار السلطة التنفيذية، فإن آثاره الواقعية ستظل موضع نقاش طويل، ليس فقط في أروقة السياسة، بل داخل البيوت الأميركية نفسها، حيث تُقاس السياسات العامة بقدرتها على حماية الإنسان لا فقط الحدود.
تنويه: يُنصح المتأثرون مباشرة بهذه الإجراءات بمتابعة الإرشادات الرسمية لوزارة الخارجية الأميركية، واستشارة محامي هجرة مختصين لتقييم أوضاعهم الفردية.



