الولايات المتحدة الأميركية

بقلم: ليلى ناصر

مرة جديدة، تستيقظ الجاليات العربية في الولايات المتحدة على قرار لا يُقاس بصفحات القوانين، بل بعدد العائلات التي ستبقى معلّقة بين مطارين، وبين وطنين، وبين انتظار لا نهاية له. توسيع إدارة الرئيس دونالد ترامب لحظر السفر، وإدراج سوريا ضمن الحظر الكامل، وفرض قيود شاملة على حاملي وثائق السلطة الفلسطينية، ليس مجرد إجراء إداري، بل قرار يمسّ جوهر حياة آلاف العرب الأميركيين.

بالنسبة لنا، نحن أبناء هذه الجاليات، لا يبدأ الخبر من البيت الأبيض، بل من الهاتف الذي لن يرنّ، ومن ملف لمّ شمل سيتوقف، ومن أمّ تنتظر أبناءها، أو أبٍ لم يرَ أحفاده.

لسنا أرقاماً في تقارير أمنية

تقول الإدارة الأميركية إن القرار أمني، وإنه يستند إلى ضعف أنظمة التحقق أو نشاط جماعات متطرفة. لكن السؤال البسيط الذي لا يجد جواباً:
كيف يتحقق الأمن عندما يُعاقَب المدنيون جماعياً؟

السوري الذي فرّ من الحرب، والفلسطيني الذي يحمل وثيقة سفر محدودة أصلاً، ليسا تهديداً أمنياً. هما إنسانان يبحثان عن حياة طبيعية، عن بيت، عن عائلة. ربط هويتهم الوطنية بالخطر هو اختزال ظالم، يعيد إنتاج خطاب الإقصاء نفسه الذي عانت منه الجاليات العربية لعقود.

ديترويت ليست بعيدة عن القرار

في مدن مثل ديترويت وديربورن، حيث تعيش واحدة من أكبر الجاليات العربية في أميركا، لا يُقرأ هذا القرار كخبر سياسي عابر. هنا، لكل شخص قصة: زوجة تنتظر زوجها،
أب لم يُمنح تأشيرة لرؤية ابنه،
طالب فقد حلمه الجامعي فجأة.

هذه المدن بُنيت بسواعد المهاجرين العرب، بمطاعمهم ومتاجرهم وشركاتهم الصغيرة. أي قرار يهزّ استقرار العائلة يهزّ الاقتصاد المحلي، ويزرع الخوف بدل الانتماء.

فلسطين وسوريا… الجرح المفتوح

فرض حظر على حاملي وثائق السلطة الفلسطينية يحمل رسالة قاسية: حتى خارج مناطق النزاع، يبقى الفلسطيني محاصَراً. أما سوريا، فرغم كل ما مرّ بها، لا تزال تُعامل كبلد بلا أفق، وكأن الحرب أصبحت صفة دائمة لشعب كامل.

هذا ليس فقط ظلماً قانونياً، بل فشلاً أخلاقياً في التمييز بين الأنظمة والشعوب.

ماذا نريد كجاليات؟

لسنا ضد الأمن، ولسنا ضد القوانين. نحن ضد العقاب الجماعي، وضد تحويل الهجرة إلى أداة سياسية تُستخدم في كل دورة انتخابية.

نريد:

  • سياسات تفرّق بين الخطر الحقيقي والإنسان العادي.
  • مسارات إنسانية واضحة للعائلات والمرضى والطلاب.
  • صوتاً مسموعاً للجاليات التي أصبحت جزءاً أصيلاً من المجتمع الأميركي.

الولايات المتحدة كانت دائماً بلد الفرص، لا بلد القوائم السوداء. وكلما اتسعت هذه القوائم، ضاق المعنى الحقيقي للأمن والعدالة.

Join Whatsapp