واشنطن بخطة جديدة لإنهاء الحرب في غزة

وساطة قطر ومصر بين ضغوط واشنطن وحسابات حماس

بقلم: ليلى ناصر – واشنطن

تتصدر الأزمة في غزة مجددًا واجهة النقاشات الدولية بعد تصريحات الخارجية القطرية التي كشفت عن ملامح خطة السلام الأمريكية لإنهاء الحرب. التصريحات التي بثتها قناة الجزيرة لم تكن مجرد نقل لموقف دبلوماسي، بل بدت كإعلان ضمني أن الملف لم يعد محصورًا بين واشنطن وتل أبيب، بل أصبح ميدانًا لتقاطع أدوار قطر ومصر وتركيا، في وقت يحاول فيه كل طرف تثبيت موقعه في معادلة ما بعد الحرب.

قطر بين الوساطة والسيادة

منذ اندلاع العدوان على غزة، حرصت قطر على لعب دور الوسيط الأساسي، سواء عبر تسهيل وصول المساعدات أو إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة. لكن المستجد اللافت هذه المرة هو ربط الدوحة موقفها من الخطة بملف السيادة الوطنية، بعد القصف الإسرائيلي الذي طال أراضيها. تأكيد الخارجية القطرية على الضمانات بعدم تكرار الهجوم يكشف عن قلق حقيقي من أن تصبح قطر جزءًا من حسابات الردع الإسرائيلية. وبالتالي، فهي تتحرك في خطين متوازيين: ضمان أمنها الداخلي والمضي في الوساطة الإقليمية.

معضلة حماس وتوقيت الرد

تسليم الخطة الأمريكية لوفد حماس يمثل خطوة أولى لكنها غير كافية. الحركة وعدت بدراسة البنود، ما يعني أن الرد لن يكون سريعًا. التردد هنا مفهوم، فحماس تدرك أن أي موافقة مشروطة قد تُقرأ على أنها تنازل سياسي، بينما الرفض المطلق قد يعرضها لعزلة متزايدة في ظل كارثة إنسانية متفاقمة في غزة. بكلمات أخرى، حماس عالقة بين ضرورات الواقع الميداني وحسابات الشرعية السياسية.

البعد الإنساني كعامل ضغط

الأرقام التي قدمها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تعكس مأساة إنسانية صعبة: نزوح مئات الآلاف، انعدام الخدمات الأساسية، وانهيار شبه كامل للبنية الصحية. هذا الواقع لا يترك للأطراف الإقليمية ترف الوقت، بل يضعهم أمام ضغط أخلاقي وسياسي لتقديم نتائج سريعة، وإلا فإن صورة الجميع –من واشنطن إلى الدوحة– ستتضرر أمام الرأي العام العالمي.

واشنطن وموسكو: مواجهة غير مباشرة

من زاوية أوسع، تبدو خطة السلام محاولة أمريكية لإعادة تثبيت النفوذ في الشرق الأوسط بعد سنوات من التراجع. لكن موسكو، التي نفت تلقي أي دعوة للمشاركة في قوة دولية لغزة، أوضحت أنها لم تطلع على تفاصيل الخطة سوى عبر تسريبات. هذا الموقف الروسي يعكس خشية من أن تتحول الخطة إلى منصة جديدة لإقصاءها، تمامًا كما حدث في ملفات أوكرانيا وسوريا. وهكذا، تبدو غزة ساحة أخرى للمواجهة غير المباشرة بين القوتين.

الخطة الأمريكية تحمل في ظاهرها نية وقف الحرب وإنهاء التجويع في غزة، لكنها في الجوهر اختبار حقيقي لقدرة المجتمع الدولي على تجاوز الحسابات الضيقة. نجاحها يتطلب توافقًا ثلاثيًا:

  1. قبول فلسطيني داخلي يوازن بين الضرورة الإنسانية والشرعية السياسية.
  2. تنسيق إقليمي فعّال يمنع تفرد إسرائيل أو واشنطن بالقرار.
  3. تفاهم دولي أوسع يشمل روسيا لتجنب تعطيل المسار عبر بوابات مجلس الأمن.

حتى الآن، ما نشهده هو بداية اختبار طويل، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى مع آلام سكان غزة. أما السؤال المفتوح، فهو ما إذا كانت هذه الخطة مجرد استراحة تفاوضية أم بداية مسار فعلي لإنهاء واحدة من أعقد الحروب في المنطقة.

Join Whatsapp